كيف ينتج نبات التبغ النيكوتين
إنّ معرفتنا في التصنيع الحيوي للنيكوتين تعتمد في المقام الاول على ادخال نظائر مشعة في النبات ومن ثم تتبع التمثيل الحيوي (الاصطناع الحيوي لها) فيها. واتضحت الصورة العامة لتكوين التبغ حيوياً من خلال العديد من الدراسات التجريبية. والتي أظهرت أنّ نباتات التبغ تبدأ من ثلاثة أحماض أمينية أساسية (حمض الأسبارتيك، الأورنيثين، والميثيونين) تعمل جنباً إلى جنب مع غليسير ألدهيد (منتج تحطم الغلوكوز) ليتشكل البيريدين والبيروليدين كمركبات ناتجة ومنفصلة، ثم يتم جمعهم في النهاية لتشكيل النيكوتين الشكل(1)، ويتم إنتاج النيكوتين في جذور النبات ويتراكم في أوراقها لتصل في الأوراق الجافة إلى 9 %!.
إنّ تفاعل ارتباط الشاردة الموجبة (Cation) لـ (N-methylpyrrolinium)(21) مع حمض النيكوتينيك (nicotinic acid) – انظر الشكل(1) – أعطى الكيميائيين سنة 1950 درجة من الاستغراب وذلك لأنّ مثل هذه الآلية القائمة على التفاعل الشاردي في المركبات العطرية لا يمكن أن تتم في درجة حرارة الغرفة!.
كبير الكيميائيين البريطاني روبرت روبنسون (Robert Robinson) والحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام (1947) وذلك لدراسته المعمقة حول أهمية المنتجات الحيوية في النباتات وفي مقدمتها القلويدات (Alkaloids)، واعتبر أنه من غير الممكن أن تكون حلقة البيريدين في مركب النيكوتين ناتجة عن حمض النيكوتينيك، وقد برر هذه النتيجة من خلال ما يلي:
- إنّ تفاعلات الاستبدال على البيريدين ممكنة عند تطبيق شروط قاسية ومعقدة على التفاعل.
- إنّ الاستبدال المباشر لمجموعة الكربوكسيل على البيريدين لم تلاحظ من قبل.
إنّ حجج هذا العالم مازالت محط اهتمام العلماء حتى وقتنا الحاضر، فمثلاً إنّ برومة (Bromination) البيريدين للحصول على 3-بروم البيريدين تتطلب درجة حرارة (300)°م، ونترجة البيريدين ممكنة أيضاً باستخدام نترات البوتاسيوم بوجود حمض الكبريت المدخن في الدرجة (370)°م. كما أن تفاعلات فريديل – كرافت لا يمكن حدوثها ببساطة في البيريدين. كل هذه الإدعاءات استطاعت نبتة التبغ تجاهلها بتكوينها لمركب النيكوتين وذلك في درجات حرارة تتراوح بين (25-30)°م.
إذاً كيف يمكن لنبتة التبغ أن تنجز هذه التفاعلات في درجة حرارة الغرفة؟:
الجواب بسيط للغاية. لايمكن لنبات التبغ أن تصنع النيكوتين من حمض النيكوتينيك بآلية التبادل الالكتروني. في الحقيقة نبات التبغ تستخدم المواد الأولية ذاتها وتؤدي إلى ذات النتائج ولكن وفق آلية مختلفة تماماً. وللتحقق من هذه الآلية تم إضافة مركبات موسومة بنظائر مشعة ثم تتبع حركة هذه النظائر وتحولاتها في الاصطناع الحيوي وكان ذلك من خلال عدة تجارب كما يلي:
التجربة الأولى: نظير الكربون 14 (14-C) في زمرة الكربوكسيل الموجودة في حمض النيكوتينيك (20) لم يكن موجوداً في النيكوتين الناتج، بل تم التخلص منه على شكل غاز ثاني أوكسيد الكربون(CO2)
التجربة الثانية: ذرات الكربون 2 و 3 لم تتغير في كل من حمض النيكوتينيك والنيكوتين الناتج.
التجربة الثالثة: نظير التريتيوم الموسوم في الموقع 2 في حلقة البيريدين في مركب حمض النيكوتينيك تم تأكيد وجودها في المكان ذاته في سالنيكوتين الناتج، بمعنى آخر لم يحدث أي تغير لموقع التريتيوم في المركب الناتج.
التجربة الرابعة: عنصر التريتيوم الموسوم في الموقع 6 في حمض النيكوتينيك تم التخلص منه واستبداله كلياً أثناء اصطناع النيكوتين في النبات.
يمكن قبول هذا الزوال لزمرة التريتيوم في الموقع 6 فقط إذا فرضنا أنّ هنالك زوال مؤقت للعطرية في حلقة البيريدين الناتجة عن الهدرجة في الموقع 3،6 (الشكل 2)
التفاعل باستخدام الوسيط: يمكن استخدام الوسيط المسمى اختصاراً بـ (NADPH) وله الاسم الشائع المركب الحيوي للصوديوم بوروهيدرات وهو مركب يستخدم كعامل مرجع في التفاعلات البيوكيميائية.
ونجري التفاعل بين الوسيط المذكور سابقاً وحمض النيكوتينيك الموسوم بالتريتيوم لبيان آلية التفاعل فيتشكل مركب (3،6- ثنائي هيدروبيريدين-3- حمض الكربوكسيليك (22) الذي يُرجع سريعاً ويتخلص من الزمرة الكربوكسيلية ليتشكل شاردة أزابينتادينيل (azapentadienyl) السالبة (الشكل 3). ثم يتم مهاجمة الشرسبة الأخيرة بشرجبة (Cation) عند موقع الشاردة السالة (c-3). ثم يتم في تفاعل الهدرجة التالي حذف شاردة التريتيوم من المركب وتشكيل حلقة البيريدين المستقرة. وبعدها تعزل عن الوسيط الذي يمكن اعادة استخدامه مرة أخرى.
- لماذا تنتج نبتة التبغ مركب النيكوتين:
إنّ إنتاج النيكوتين -باعتباره مادة سامة- من قبل النبات يعطيها صفة مميزة وهامة في معركة البقاء أمام الحيوانات المفترسة حيث يعمل إنتاج النيكوتين على سد العجز من عنصر النيتروجين الناتج عن هجوم الحيوانات المفترسة، يمكن شرح هذه الآلية كما يلي: في البداية تكون العناصر المكونة لألياف النباتات مستقرة ومتوازنة ولكن عندما تقف إحدى الحشرات على هذه النبتة فإنّ لعابها (الحاوي على العديد من المواد الكيميائية كالغلوتامين) يهاجم ويتفاعل مع الحموض الدسمة الناتجة عن تحطم خلايا النبتة مما يؤدي إلى تكوين آلية دفاعية من خلال انتشار هرمون النبات المعروف بحمض الجاسمونيك (Jasmonic acid) في كل أجزاء النبات وصولاً إلى الجذور (حيث يتم تصنيع النيكوتين) فيعمل على تحفيز تشكيل النيكوتين من خلال تنظيم آلية تكوينه. ثم ينتقل النيكوتين من الجذور إلى الأوراق حيث يتراكم ويزيد تركيزه فيها. بعد بضعة أيام، يكون إنتاج النيكوتين بشكل كبير جداً لدرجة أنه يتراكم في الأوراق بتراكيز مضاعفة عن تراكيزه المعتادة. هذه الآلية الدفاعية ضد الحشرات تكلف النبتة الكثير من الطاقة والنيتروجين مما يؤدي إلى نقص حاد في النيتروجين اللازم لتكوين البذور.