كيف حصلت العناصر الكيميائية على أسمائها؟
تعدّ أسماء العناصر الكيميائية في اللغة الإنكليزية من الأصناف الخاصّة لغويًا، فعلى عكس غالبيّة الكلمات الإنكليزية معظم هذه اﻷسماء هو من اختيار مكتشفي تلك العناصر، ولم تتطور هذه اﻷسماء التطوّر التدريجيّ المعتاد للكلمات على مرّ العصور، ولا وجود لقواعد تحكم اختيار هذه الأسماء، إلا أنّ تاريخ الكيمياء يكشف لنا عددًا من النزعات والتوجهات الغريبة في هذا المجال.
الأشخاص والأماكن
سمّيت بعض العناصر الكيميائية بأسماء بعض العلماء تكريمًا لهم ولما قدّموه إلى المسيرة العلمية من إسهامات وإنجازات، ومن أبرز هؤلاء العلماء:
1- العالم نيكولاس كوبرنيكوس Nicolaus Copernicus الذي كان أول من يطرح فكرة أن الشمس لا تدور حول الأرض؛ إذ أُطلق الاسم كوبرنيسيوم (Copernicum (Cn على العنصر 112 في الجدول الدوريّ.
2- ألفريد نوبل Alfred Nobel والمشهور باختراعه للديناميت وإنشائه لجوائز نوبل، إذ أطلق الاسم نوبليوم (Nobelium (No على العنصر 102 في الجدول الدوريّ.
3- العالم الشهير ألبرت آينشتاين Albert Einstein صاحب النظريّة النسبية، إذ أطلق الاسم آينشتاينيوم (Einsteinium (Es على العنصر 99 في الجدول الدوريّ.
4- إيرنست رذرفورد Ernest Rutherford الحائز على جائزة نوبل والذي لعب دورًا مفصليًا ومهمًّا في تطور الفيزياء النووية، إذ أطلق الاسم (Rutherfordium (Rf على العنصر ١٠٤ في الجدول الدوريّ.
٥- كلين سيبورغ Glenn Seaborg الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء لجهوده المبذولة في تصنيع عناصر اﻷكتينيدات، وقد تميّز بدخول اسمه في الجدول الدوريّ وهو على قيد الحياة، وأطلق الاسم سيبورجيوم (Seaborgium (Sg على العنصر ١٠٦ في الجدول الدوريّ.
هناك بعض العناصر التي لم تنل اسمها مباشرة من اسم مكتشفها، وإنما من ترجمة الاسم إلى اللغات الأخرى، فعلى سبيل المثال أخذ عنصر الكاليوم (Gallium (Ga اسمه من مكتشفه الفرنسي ليكوك Lecoq والذي يعني الديك الصغير بالإنكليزية و(Gallus) باللاتينية.
وكان لأسماء الأماكن نصيب وافر في الجدول الدوريّ، وقد نالت الدول والمدن الأوروبية حصّة الأسد، وغالبًا ما تكون أسماء العناصر مقتبسة من أسماء الأماكن التي اكتُشفت فيها لأول مرّة، أو من اسم الدولة التي ينتمي إليها المكتشف.
وقد نالت بعض الأماكن اهتمامًا كبيرًا لا يتناسب مع حجمها الواقعي، مثل قرية سترونتيان Strontian في مرتفعات اسكوتلندا حيث استخرج عنصر السترونتيوم Strontium (Sr)، أو قرية أتربي Ytterby في جزيرة ريزارو Resaro السويدية التي نال ما لا يقلّ عن أربعة عناصر في الجدول الدوريّ أسماء مشتقة من اسمها، وهي: الإتيربيوم (Ytterbium (Yb، والإتريوم (Yttrium (Y، والتيربيوم (Terbium (Tb، والإربيوم (Erbium (Er، ويلاحظ تناقص حروف أسماء العناصر الثلاثة الأخيرة تدريجيًا لتعكس التناقص التدريجيّ لقوّة أكاسيد الفلزات.
الفلزات والأساطير
قد تدرك أن أسماء كواكب النظام الشمسي في اللغة الإنكليزية مأخوذة من أسماء الآلهة الرومانية القديمة، ولكن ما قد لا تعرفه أن كل كوكب من هذه الكواكب مرتبط هو الآخر بأحد الفلزات: فالذهب (Gold (Au يرتبط بالشمس، والحديد (Iron (Fe يرتبط بالمريخ، والزئبق (Mercury (Hg يرتبط بعطارد وهكذا.
ظهرت هذه النزعة في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، لتنال بعض العناصر الكيميائية في الجدول الدوريّ أسماء مشتقة من الأساطير القديمة، مثل عنصر السيريوم (Cerium (Ce والذي اشتُقّ اسمه سنة 1804 من اسم الكوكب القزم سيريس Ceres المكتشف حديثًا والذي نال اسمه هو الآخر من اسم إله الزراعة عند الرومان.
كذلك الأمر بالنسبة لعنصر البالاديوم (Palladium (Pd والذي اشتُقّ اسمه من الكوكب القزم بالاس Pallas الذي نال اسمه من اسم الإله الروماني بالاس أثينا Pallas Athena.
في نهايات القرن الثامن عشر اعتمد الكيميائي الألماني مارتين هنريك كلابروث Martin Heinrich Klaproth تسلسلًا معيّناً في تسمية العنصر ذي العدد الذري 92 وهو اليورانيوم (Uranium (U، مشتقًّا إيّاه من اسم الإله والكوكب أورانوس Uranus وذلك سنة 1790. ثم أتبع ذلك بتسمية عنصر التيتانيوم (Titanium (Ti والذي أخذ اسمه من التايتنز Titans متبّعًا بذلك نفس المبدأ الذي اعتمده في تسمية اليورانيوم من اسم الآلهة، كذلك وضع اسم تيلوريوم (Tellurium (Te للعنصر ذي العدد الذري 52 وقد اشتّقه من الكلمة اللاتينية Tellus وتعني الأرض.
وأطلق جونز جاكوب برزيليوس J.J. Berzelius اسم سيلينيوم (Selenium (Se على العنصر الذي اكتشفه وقد اشتق الاسم من الكلمة الإغريقية Selene وتعني القمر، مستندًا في ذلك على تشابه الخواص الكيميائية مع عنصر التيلوريوم (Te).
وبعد قرن ونصف أنعش إنريكو فيرمي Enrico Fermi هذه السلسلة بتسمية العنصر 93 والذي يأتي بعد اليورانيوم مباشرة في الجدول الدوري، باسم نيبتونيوم (Neptunium (Np وقد اشتقّه من اسم الكوكب الذي يلي كوكب أورانوس في المجموعة الشمسية، وانتهت هذه السلسلة سنة 1942 على يد كل من سيبورغ وواهل Seaborg & Wahl عندما اختارا اسم بولتونيوم (Plutonium (Pu على العنصر 94 متبّعَيْن في ذلك تسلسل الكواكب الثلاثة الأخيرة (عندما كان بلوتو Pluto كوكبًا) في المجموعة الشمسية.
واختار الكيميائي السويدي أندريس إيكيبرغ Andres Ekeburg أن يتّبع نفس هذا المنحى ولكن بإضافة بعض اللمسات الخيالية. لقد كان العنصر الذي اكتشفه سنة 1802 مختلفًا عن بقية الفلزات المعروفة حينها بعدم قدرته على امتصاص الحمض؛ لذا قرر اختيار اسم تانتالوم (Tantalum (Ta والذي اشتّقه من الشخصية الأسطورية تانتالوس Tantalus والذي حُكم عليه بالوقوف في بركة يصل فيها الماء إلى ذقنه، إلا أن الماء ينخفض كلّما حاول الانحناء نحوه؛ لذا لم يكن بمقدوره الشرب من ذلك الماء على الإطلاق.
واكتشف الباحث الألماني هينريك روز Heinrich Rose عنصرًا مشابهًا للتانتالوس في خواصّه الكيميائيّة ليطلق عليه اسم نيوبيوم (Niobium (Nb وقد اشتّقه من اسم ابنة تنتالوس نيوبي Niobe، والتي اشتهرت بتحولها إلى حجارة كعقاب على الغرور والتكبّر.
كذلك كان لعدد من آلهة النرويج ظهور في الجدول الدوري، فقد أعطى ثور Thor إله الرعد صاحب المطرقة المشهورة، اسمه لعنصر الثوريوم (Thorium (Th، في حين منح إله الخصوبة فانادس، فريجا Vanadis, Freyja اسمه لعنصر الفاناديوم (Vanadium (V.
الكيمياء السياسية
في تحوّل مثير لمجريات الأحداث، نالت بعض العناصر أسمائها من تعقيدات الحرب الباردة، فقد نشبت حروب كيميائية باردة سميت بحروب ما بعد الفرميوم Transfermium Wars (أي العناصر التي تلي الفرميوم في الجدول الدوريّ) كنتيجة للخلاف الناشئ بين الباحثين الروس في دوبنا Dubna والباحثين الأمريكان في بيركلي Berkeley في تحديد هوية مكتشف العناصر 104 و 105 و 106 من الجدول الدوريّ. كان حقّ التسمية يذهب تقليديًا إلى الجهة التي اكتشفت العنصر، ولكن في ظل تلك الأجواء المشحونة بانعدام الثقة بين الدولتين، كان تحديد هوية المكتشفين مهمة لا تخلو من صعوبة.
ولانتشال عالم البحوث الكيميائية من هذه الأحداث قررت منظمة دولية (الاتحاد الدولي للكيمياء التطبيقية والصرفة IUPAC والذي تأسس سنة 1919) التدخّل لحل هذه الأزمة، ليصل الفريقان إلى اتفاق نهائي سنة 1997 أي بعد انتهاء الحرب الباردة بمدّة طويلة، وقد نَصَّ الاتفاق على تسمية العنصر 105 باسم مختبر دوبنا لينال الاسم دوبنيوم (Dubnium (Db، أما مختبر بركلي فقد كان اسمه موجودًا في نظام التسمية الكيميائية منذ العام 1950 مع عنصر البيركيليوم (Berkelium (Bk.
حقائق طريفة
- سمّي أحد العناصر باسم Didymium المشتقّ من الكلمة الإغريقية التي تعني التوأم، نظرًا لتشابهه الكبير مع اللانثانيوم. تبيّن فيما بعد أن هذا العنصر مؤلف من فلزين هما نيوديميوم (Neodumium (Nd و براسيوديميوم (Praseodymium (Pr.
- سمّي كل من النيكل (Nickle (Ni والكوبالت (Cobalt (Co من قِبل عمال المناجم الألمان الساخطين. سمّي النيكل باسم روح مؤذية كان تسكن في المناجم، وذلك بعد أن تبين للعمال عدم احتواء المادة الخام التي نقبوا عنها على النحاس. أما الكوبالت فقد جاءت تسميته من الكلمة الألمانية Kobold وتعني (العفريت)، وقد سمّي بذلك لأنّه لم يعطِ المادة الخام المتوقعة، وإنما أنتج أبخرة خطرة من الزرنيخ.
- استخدم اسم عنصر الراديوم (Radium (Ra والذي اكتشفه بيير وماري كوري Pierre and Marie Curie سنة 1898، كعلامة تجارية للجوارب نسائية، ولملمع الأحذية، وللأقمشة، ولا زال الاسم مستخدما في نوع من الأقمشة ذي بريقٍ خفيف.
- سمّي الفوسفور (Phosphorus (P باسم نجمة الصباح؛ لأنه يشتعل مباشرة عند ملامسته للهواء.
- سمّي الألمنيوم (Aluminium (Al لأوّل مرة بالألوميوم Alumium ثم بالألومينوم Aluminum وذلك من قِبَل مكتشفه همفري ديفي Humphry Davy، ولكنه لم يسمّه بالاسم الشائع هذه الأيام، وقد ظهر هذا الاسم لأول مرة في مراجعة على إحدى محاضراته.