وزير التعليم العالي يكتب في جريدة الصباح عن عملية بولونيا
ليس سهلا أن تتخذ البلدان قراراً بتطوير النظم التعليمية لديها لأن هذا النوع من القرارات في جميع دول العالم يرتبط بعمليات معقدة ومتعددة الأوجه تتأثر بعوامل وديناميكيات اجتماعية، وثقافية، واقتصادية وتكنولوجية وحتى سياسية.
وإذا كان ثمة تلازم بين تطور النظم التعليمية والاحتياجات والتطلعات المتغيرة للمجتمعات، فإن تقادم مؤسساتنا التعليمية في العراق وإبعادها القسري على مدى عقود من الزمن بسبب الصراعات والحروب العبثية عما يحصل من تطور في نظم التعليم العالي في العالم قد أدى إلى إحداث فجوة بين قدرة جامعاتنا و متطلبات الجودة الأكاديمية.
ومن هنا بات لزاماً التفكير في إيجاد حلول حقيقية لإصلاح بنية مؤسساتنا الأكاديمية من خلال الإفادة مما يجري في العالم من مبادرات إصلاحية في صناعة التعليم العالي، مما استدعى منا الذهاب إلى تطبيق التجربة الأوروبية في إصلاح التعليم العالي التي يطلق عليها (عملية بولونيا) التي بدأ تنفيذها في أوروبا منذ نهاية تسعينيات القرن المنصرم لتبدأ معها مجموعة من الإصلاحات الجوهرية في أطر التعليم العالي والقرارات الديناميكية التي أحدثت تغييراً هاماً في الأنظمة التعليمية الأوروبية.
إن (عملية بولونيا) تحمل أهدافاً ودلالات لدى مؤسسات التعليم العالي في أوروبا، ومنها أن عملية التجديد والإصلاح قد انطلقت من أقدم جامعة هناك في أثناء مؤتمر جامعة بولونيا الإيطالية العريقة التي تعد أقدم جامعة في منطقة الاتحاد الأوروبي وأيضاً أن الجامعات لا ينبغي أن تخجل أو تتردد في تطوير أنظمتها التعليمية على وفق ما تقتضيه العملية الجديدة من إجراءات هادفة إلى تنسيق أنظمة ومعايير التعليم العالي في جميع أنحاء أوروبا من أجل إنشاء منطقة التعليم العالي الأوروبية (EHEA) لتكون أكثر توافقاً وترابطاً في مجالات التعاون والاعتراف المتبادل.
إن عملية بولونيا ليست نظاماً تعليمياً بحد ذاتها بل هي إطار يتضمن مجموعة من الإصلاحات والاتفاقيات بين الدول التي تركز على جوانب مختلفة من التعليم العالي، منها اعتماد هيكل درجة مشتركة من ثلاث مراحل – البكالوريوس والماجستير والدكتوراه – لتسهيل تنقل الطلاب وقابلية مقارنة المؤهلات، واستخدام نظام تحويل وتراكم الرصيد الأوروبي (ECTS) لقياس ومقارنة عبء عمل الطلاب مما يسهل على الطلاب تحويل الاعتمادات بين المؤسسات والبلدان، وتنفيذ آليات واشتراطات الجودة وضمان تعليم متسق عبر المؤسسات والبلدان، وتعزيز تنقل الطلاب والموظفين من خلال مبادرات مثل برنامج Erasmus + ، الذي يشجع الطلاب وأعضاء الهيئات التدريسية على الدراسة والعمل في مختلف البلدان الأوروبية، وإنشاء نظام للاعتراف بالمؤهلات عبر الدول المشاركة، والسماح للطلاب بالاعتراف بشهاداتهم في البلدان ،وتشجيع التعلم مدى الحياة عن طريق توفير فرص تعليمية مرنة ومتنوعة والاعتراف بأهمية الاندماج في التعليم العالي وتعضيد إمكانية الوصول وتكافؤ الفرص.