مركب جديد يبطل عمل الأسلحة الكيميائية بسرعة عالية
من الأمور التي تعيق عملية التخلص من الأسلحة الكيميائية أنّ الحرارة والرطوبة تعمل وبسرعة على تحطيم الأنزيمات المسؤولة عن إبطال عمل المواد الكيميائية المميتة. وقد تمكن الباحثون من تطوير مركب مستقر جداً له القابلية على تعطيل الغازات المؤثرة على الأعصاب مثل غاز السارين في غضون دقائق.
ولتكوين هذا المركب، فكر الباحثان عمر فرحة وجوزيف هاب من جامعة نورث ويسترن في إيفانستون إللينوي، بالعودة إلى الطبيعة كمصدر للإلهام.
تنتج البكتريا إنزيماً يدعى بـ Phosphotriesterases، والذي يثبط بعض أنواع المبيدات وغازات الأعصاب الكيميائية ذات العلاقة وبسرعة عالية جداً، لكن هذه الإنزيمات ضعيفة وسهلة التحلل، لذا قرر الباحثون إعادة تكوين الميكانيكية التي يحطم بها هذا الإنزيم المواد الكيميائية، منتجين بذلك عاملاً محفزاً من صنع البشر، قادر على الصمود في أكثر الأوضاع قساوة وشدة.
بدأ الباحثون باستخدام إطارات عضوية فلزية (MOF) وهي مركبات مسامية مطورة حديثاً مؤلفة من فلزات مرتبة في شبكة بلورية ترتبط بجزيئات مؤلفة من الكربون، وتعد هذه الإطارات مواد عالية التكيف، حيث يمكن للعلماء تبديل الفلزات أو الروابط لتحسين المادة وتكييفها لاستخدامها في تطبيقات متنوعة، مثل التقاط ثنائي أكسيد الكربون، أو لخزن غاز الهيدروجين أو غاز الميثان. ونظراً لكون هذه الإطارات ذات طبيعة مسامية، فإنها تمتلك مساحة سطحية عالية تمكنها من تكوين أواصر كيميائية وبسرعة عالية، الأمر الذي يمنحها أفضلية عالية لاستخدام كمواد محفزة.
في الإنزيم الطبيعي، Phosphotriesterase، تعمل ذرتا خارصين (زنك) كحمض لويس، والذي يستقبل الالكترونات للارتباط بغاز الأعصاب، مقطعاً الأواصر الكيميائية الأساسية، والنتيجة هي تعطيل عمله. وقد قام العلماء بصناعة إطار عضوي فلزي مشابهة لتركيب الإنزيم، ولكنهم استبدلوا ذرة الخارصين بذرة الزركونيوم، والتي تسلك سلوك حامض لويس أيضاً، وتجعل الإطار العضوي الفلزي ذا استقرارية عالية جداً.
جرب الباحثون مركبهم الجديد والذي أسموه بـ NU-1000 على أحد المبيدات التي تشبه أحد غازات الأعصاب من الناحية الكيميائية، ولكنه أقل خطورة، تمكن المركب NU-1000 من تعطيل نصف كمية المبيد في غضون 15 دقيقة، وتعد هذه النتيجة أسرع تفكك لهذه المركب الكيميائي على الإطلاق باستخدام إطار عضوي فلزي، وكانت السرعة أيضاً أعلى بثلاث مرات من الإطارات العضوية الفلزية الأخرى التي استخدمها فريق البحث.
بعد ملاحظة هذه النتائج أرسل فريق البحث هذا المركب إلى الجيش الأمريكي لدراسة تأثيره على بعض من غازات الأعصاب، حيث قام علماء الجيش بقياس عمر نصف يقدر بـ 3 دقائق لتحطيم غاز الأعصاب GD والذي يعد أكثر سمية من غاز السارين، حسب ما أعلنه الفريق في مجلة Nature Materials، فقد كانت سرعة المركب الجديد في إزالة غاز الأعصاب GD أسرع بـ 80 مرة من المركبات السابقة.
إنّ تفوق المركب NU-1000 على المركبات السابقة المشابهة له، بأنّ المسامات بين عقد الفلزات المكونة للمركب أكبر، ما يسمح للكواشف الكيميائية باختراق هيكل الإطار العضوي الفلزي بسهولة والتفاعل مع الزركونيوم الموجود في الداخل، بالإضافة إلى أنّ التفاعل لا يستهلك الـ NU-1000، لذا فإنّ كميات قليلة منه تكون كافية، كما أنّ المركب قابل لإعادة الاستخدام.
يقول الكيميائي Banglin Chen من جامعة تكساس، سان أنتونيو: “إنّ هذه المقاربة نادرة جداً وواعدة جداً”. وواصفاً إياها بـ”النتيجة الرائعة جداً”.
ولكن الحاجة تبقى للمزيد من التطوير ليقوم المركب NU-1000 بعمله على أكمل وجه، فالإنزيم Phosphotriesterase أسرع بـ 1000 إلى 100,000 مرة.
يقول عالم الكيمياء الحياتية فرانك روشيل Frank Raushel من جامعة تكساس: “يتوجب على الإطارات العضوية الفلزية أن تكون أفضل لكي يكون استخدامها عملياً”. فالـ NU-1000 ـ على سبيل المثال ـ لا يمتلك السرعة الكافية لاستخدامه في أقنعة الغازات، حيث تتوجب تنقية الهواء بسرعة كافية لكي يتنفسه الجنود. يقول عمر فرحة: “ولكن النتائج ستقود إلى تصميم عوامل محفزة متقدمة”.
وقد تمكن فريق البحث من فهم كيفية عمل العامل المحفز عن طريق نمذجة التفاعل الكيميائي، والذي سلط الضوء على أهمية المسامات الكبيرة والفوائد الكبيرة للإطارات العضوية الفلزية المستندة على الزركونيوم. يقول عمر فرحة: “بعد أن تعلمنا كل قواعد التصميم هذه، نحن نعلم ما هي الخطوة التالية”، ويأمل عمر فرحة بأنه سيتمكنون في النهاية من توقع الطريقة التي يعمل بها مثل هذه العوامل المحفزة حتى قبل صنعها.
وقد وصف مارك روشيل هذا العمل بقوله: “إنّ هذا العمل ممهد للمستقبل، وهم يسلكون الطريق الصحيحة”.
المصدر:
Emily Conover. (March 16, 2015). New compound quickly disables chemical weapons. Science/AAAS. Retrieved April 24, 2015