الإنزيمات الصناعية تلمح إلى إمكانية الحياة بدون الحاجة إلى (DNA) أو (RNA)
تُسمى الإنزيمات التي لا تتواجد في الطبيعة وتُصنع من مواد جينية لا تتواجد في الطبيعة أيضاً، بالأحماض النووية الصناعية (XNA). هذه هي المرة الأولى التي تُصنع فيها إنزيمات من هذا النوع، وتعزِّز النتائج التي توصلنا إليها، إمكانيةَ تطوُّر الحياة على الأرض دون وجود (DNA) أو (RNA) ، حيث يُفترض أنه لاغنى عن هذين الجزيئين -ذاتيي الاستنساخ (self-replicating)- من أجل استمرارية الحياة على وجه الأرض.
يقول فيليب هوليغر (Philipp Holliger) –من مختبر البيولوجيا الجزيئية في كامبردج بالمملكة المتحدة: “يُظهر عملنا بالحمض النووي الصناعي عدم كون وجود (DNA) أو (RNA) شروطاً مسبقة للحياة”؛ الجدير بالذكر أنّ هذا المختبر هو نفسه الذي اكتشف فيه فرانسيس كريك (Francis Crick) وجيمس واتسون (James Watson) الحمض النووي عام 1953.
لايتعلق كل شيء بالقاعدة
قام فريق هوليغر بصنع الحمض النووي الصناعي XNA سابقاً؛ والذي يحتوي على نفس القواعد -الأدينين والثيمين والغوانين والسيتوزين واليوراسيل-التي يعتمد عليها كل من (DNA) و (RNA) من أجل ترميز المعلومات الوراثية، إن الفرق الوحيد يكمن في السكر الذي يرتبط به كل جذر.
ففي الحمض النووي DNA يكون السكر هو الديوكسيرايبوز، بينما في الحمض النووي الريبي RNA يكون السكر هو الريبوز؛ وهنا قام هوليغر بتغيير هذا السكر بسكريات أخرى أو جزيئات أخرى. قام الفريق الآن بخطوة أخرى تُقربه من محاكاة الحياة الأولية على كوكبنا وذلك عبر إظهار إمكانية قيام هذا الحمض النووي بعمل الإنزيمات، وهي المحفزات التي لاغنى عنها من أجل تسريع العمليات الكيميائية المهمة للحياة.
ويُعتقد بأن تطور الحمض النووي الريبي ليُصبح إنزيمات ذاتية الاستنساخ هو واحدة من أولى الخطوات التي أدت إلى ظهور الحياة على الأرض.
تقدم عظيم
كان نجاح هوليغر من خلال إيضاح إمكانية قيام الحمض النووي الصناعي بعمل الإنزيمات -عبر قيامه بحفظ المعلومات الوراثية.
لا يمكن لإنزيمات الحمض النووي الصناعي أن تستنسخ نفسها، لكنها تستطيع قص ولصق الحمض النووي الريبي مثل ما تفعل الإنزيمات الطبيعية تماماً، وحتى بإمكانها أن تُلصق قطعاً من الحمض النووي الصناعي مع بعضها البعض.
هذا هو الدليل الأول على إمكانية قيام الحمض النووي الصناعي بتحفيز تفاعلاته بنفسه، كما كانت الحال مع الحمض النووي الريبي في عصور ما قبل التاريخ، ولو أنها إلى الآن لا تستطيع استنساخ نفسها تلقائياً بعد كما يستطيع الحمض النووي الريبي.
يدعي هولينغر أن كلاً من الحمض النووي والحمض النووي الريبي قد وصلا إلى الهيمنة على الأرض عن طريق الصدفة، وببساطة لأنهم كانوا أفضل المواد التطورية الموجودة في ذلك الوقت، ويضيف: “يمكننا التخمين بعدم وجود الحالة نفسها فوق كواكب أخرى، فربما الحمض النووي الصناعي هو من يهيمن هناك”.
جزيئاتٌ أولية
يقول جاك زوستاك (Jack Szostak) من جامعة هارفرد والحائز على جائزة نوبل: “هذا العمل هو خطوة أخرى جيدة من أجل معرفة المزيد عن القدرات الوظيفية للحمض النووي الصناعي”، ويقوم جاك حالياً بدراسة أصل الحياة على الأرض.
يضيف زوستاك: “إن إمكانية وجود الحياة في أي كوكبٍ من الكواكب الخارجية، يمكن أن تكون قد بدأت مع شيء آخر غَيْر(DNA) أو (RNA)، وهذا شيء مثير للاهتمام جداً. ولكن البوليمر الحيوي والأساسي لأي شكل من أشكال الحياة يجب أن يُلبي شروطاً أخرى أيضاً؛ كأن يكون شيئاً يمكن إنتاجه عن طريق الكيمياء ما قبل الجنينية، ويجب أن يستطيع استنساخ نفسه بكفاءة، لكن هل بإمكان الحمض النووي الصناعي أن يُلبي هذه المتطلبات بالإضافة لوظائف أخرى مفيدة؟ لايزال هذا الأمر سؤالاً مفتوحاً”.
يؤكد هولينغر أنه قد يكون للحمض النووي الصناعي دور مهم في الطب أيضاً لأنه لا يوجد في الطبيعة؛ ولذلك لا يُمكن أن يُوجد في جسم الإنسان. ونظراً لإمكانية تصميمها من أجل تدمير أو تفكيك الحمض النووي الريبي، من تمَّ يُمكن استعمالها كأدوية للقضاء على الفيروسات ذات الحمض النووي الريبي، أو حتى تعطيل رسائل الحمض النووي الريبي التي ُتسبب السرطان.
يُضيف هولينغر: “قُمنا بتصنيع انزيمات من الحمض النووي الصناعي تقوم بقطع الأحماض النووية الريبية في مناطق محددة، ولذلك يُمكن استعمالها كعلاج للقضاء على الفيروسات أو السرطانات التي تعتمد على الحمض النووي الريبي، وبما أنها لا تتحلل، فإن هذا النوع من العلاج يمكن أن يُعطي حماية طويلة الأمد”.