نظائر لليورانيوم تحمل بصمات لنشاط بكتيري قديم
تحتوي المحيطات والأجسام المائية الأخرى على مليارات الأطنان من اليورانيوم المنحل. وعلى مرِّ تاريخ الكوكب، تحول بعض هذا اليورانيوم إلى شكل غير قبل للانحلال، مما تسبب بترسبه وتراكمه في الرواسب. هناك طريقتان يستطيع اليورانيوم من خلالهما التحوُّل من الشكل القابل للانحلال إلى غير القابل للانحلال: إما عبر نشاط الكائنات الحية -البكتيريا- أو من خلال التفاعل كيميائياً مع معادن معينة.
إذا ما عرفنا الطريقة التي سلكها اليورانيوم للتحوُّل، نستطيع الحصول على رؤية مهمة جداً حول تطور ونشاط البيولوجيا الميكروبية على مدار تاريخ الأرض. تصف ورقة علمية جديدة ظهرت في مجلة PNAS، نشرها فريق دولي يقوده معهد البولتكنيك الاتحادي في سويسرا، طريقة جديدة تستخدم التركيب النظائري لليورانيوم بهدف الفصل بين تلك المسارات.
الرابط الموجود بين البكتيريا والسجل الصخري ليس بالجديد. وبوجود شروط محددة، تتفاعل البكتيريا بيولوجياً مع الأيونات المنحلة مثل الكبريت، أو اليورانيوم، ممّا يتسبب في جعل الأخيرة غير قابلة للانحلال والترسب، ويساهم ذلك في تراكمها داخل رواسب المحيطات. لكن وللمرَّة الأولى على الإطلاق، يستطيع العلماء تحديد فيما إذا كانت البكتيريا نشطة في مكان وزمان تشكُّل الرواسب وذلك بالاعتماد على تحليل كميات صغيرة من اليورانيوم الموجود في تلك الرواسب.
جهات مانحة للالكترونات من الصعب إرضاؤها
قد تبدو حقيقة إمكانية تفاعل البكتيريا واليورانيوم مفاجئةً بطريقةٍ ما. لكن وفقاً لريزلان بيرنيار-لاتماني Rizlan Bernier-Latmani، الباحث الرئيسي في الدراسة، تحتاج البكتيريا للتخلص من الالكترونات من أجل إكمال عمليات استقلاب محددة، وصدف أنّ اليورانيوم المنحل قادر على أخذ تلك الالكترونات.
اليورانيوم بعيد جداً عن كونه المعدن الوحيد الذي تتبرع له البكتيريا بالكتروناتها الإضافية. لكن حالما يترسب بالشكل غير القابل للانحلال، ليغدو اليورانيوم المعدن الوحيد المعروف حتى اليوم والقادر على الاحتفاظ بإشارة يستطيع العلماء تحليلها لكشف فيما إذا كانت البكتيريا موجودة في عملية تحوله.
الأمر الذي يجعل من اليورانيوم فريداً هو كون البكتيريا يصعب إرضاؤها عندما يتعلق الأمر بالوزن الذري لليورانيوم الذي تتبرع بالكتروناتها له. من بين النظيرين الأكثر شيوعاً لليورانيوم في الأرض – اليورانيوم 238 واليورانيوم 235- يبدو أن البكتيريا تُفضل اليورانيوم 238.
وبالمقابل، يُعالج مسار التحول الكيميائي كلاً من أشكال اليورانيوم بشكلٍ متساوٍ. وكنتيجة لذلك، يُشير وجود قيمة أعلى بقليل لنسبة نظيري اليورانيوم الخفيف والثقيل، في اليورانيوم الصلب المستخرج من الأرض، إلى وجود عملية تحول بكتيرية.
تطور الحياة
تُقدم القدرة على التمييز بين المَسارَين للبَاحِثيْن أداةً فريدةً لسبرِ الغِنى البيئي المحيط بالبكتيريا قبل مليارات الأعوام. وعبر تطبيق طريقتهم على بيانات العصور القديمة لرواسب غرب استراليا، يجادل المؤلفون بأن اليورانيوم المكتشف في الرواسب، التي لا يوجد فيها الكثير من الأكسجين، تجمّد نتيجةً لعملية بيولوجية. ويقولون أنّ البكتيريا كانت نشطة في تلك المواقع قبل 2.5 مليار عام، أي عندما تشكلت الرواسب.
بالنسبة لعالمة كيمياء حيوية مثل بيرنيار-لاتماني، فإن معرفة فيما إذا كانت البكتيريا نشطة أم لا في ذلك الوقت والمكان، هو أمر مهم وقد يُقدم رؤية جديدة على التطور الكيميائي لكوكبنا، ويشمل ذلك على سبيل المثال وفرة الأكسجين الحر في المحيطات والغلاف الجوي. وتقول بيرنيار-لاتماني: “لدينا بعض الفهم لكيفية تطور ترَاكيز الأكسجين في الغلاف الجوي والمحيطات بمرور الزمن. هناك أدلة متزايدة تتعقب وجود الأكسجين، لوجود آثار قليلة له كانت متاحة قبل مليارات الأعوامٍ في عالمٍ يعاني نقصاً بذلك العنصر -والبكتيريا التي كانت موجودة استخدمته بشكلٍ غير مباشر. لهذه التغيرات علاقة مباشرة بتطور الحياة وعمليات الانقراض الضخمة”.
وتعتقد أنه في اللغز المعقَّد للمراحل المبكِّرة من تاريخ الكوكب، رُبّما ساعد اليورانيوم على الاحتفاظ ببعض القطع المفقودة.