صناعة الحبر العربي

صناعة الحبر العربي

لو تصفحنا الكتب القديمة التي تحدثت عن فنون وأساليب تحضير الحبر العربي الأسود لوجدنا أعداداً هائلة من الوصفات قد لا يكون لهـا حصر أو عدد، ومرد ذلك سببان رئيسان:

1. لكل خطاط خواطره وتصوراته عن المواد والطرائق الخاصة التي استلهمها من هنا وهناك.

2. عملت السيمياء (علم الكيمياء القديمة) فعلهـا بشكل كبير، إذ أن اكتشاف مادة جديدة أو خاصة جديدة لمادة قديمة قد يدفع بنا لتركيبة حبر جديدة، علاوة عن أن لكل عطار طريقته الخاصة في استخدام كل مـادة جديدة أو قديمة تحويها دكانه، كأن يصف لك مثلا أحـد العطارين الصمغ العربي وآخر يصف لك الجيلاتين أو النشاء…، علاوة عن تعليمات الاستخدام التي يضعها العطار بين يديك، كأن يصف لك أحدهم  حل الصمغ على البارد والآخر ينصحك بغليـه، أو أن أحدهم ينصحك باستخدام مائة غرام لكل لتر ماء وآخر ينصحك بمثليها.

مبدأ بناء الحبر العربي الأسود:

يتبع الحبر العـربي في تصنيفه  نظام المعلقات، والمعلقات أشكال سائلة تحوي مواد غير ذوابة وموزعة توزيعا جيداً، لذا فإنه يتوجب علينا كي نتمكن من بناء المعلق تحديد نوعية وسط الانتشار والذي هو المـاء هنا، وندعمه ببعض المواد التي ترفع من لزوجته للحفاظ على المواد غير الذوابة معلقة لأطول فترة ممكنة كالصمغ العربي والسكر، وأخيراً علينا العمل على أن لا تتجاوز أقطار المواد غير الذوابة 1 – 200 ميكرون لكل جزيئة كي تتمكن من القيام بما يسمى (الحركة البراونية) في وسط الانتشار لتؤخر سقوطها لأكبر مدى ممكن.

المكونات الأساسية للحبر العربي:

يمكننا تصنيف المكونات الأساسية للحبر العربي الأسود في بنود أربعة هي:

  • حوامل اللون: عفصات الحديدي والهباب.
  • مواد رابطة ومثخنة: الصمغ العربي والسكر.
  • وسط الانتشار: الماء.
  • مواد مساعدة: كالمواد الحافظة والمعطرة و…

وسنعرض لكل منها بما تستحق:

1. حوامل اللون: وقلنا أن أهمها عفصات الحديدي والهباب.

عفصات الحديدي: راسب أسود اللون يتشكل بإضافة الزاج الأخضر لحمض العفص أو مركباته.

حمض العفص: حمض عضوي ضعيف، اسمه العلمي حمض الغاليك Gallic Acid ويمكننا استخلاصه من مصدرين رئيسيين: العفص، ومواد الدباغة، أما صيغته الكيماوية فهي:

 

ونجد هذا الحمض عادة بشكله الحر في عفص البلوط وأوراق الشاي، وعفص البلوط هذا ما هو إلا تضخمات في شجر البلوط تتكون محل الجروح التي تسببها الحشرات.

ويمكن لحمض العفص أن يتفاعل مع نفسه ليعطي استراً عفصياً بحذف جزيئة ماء:

C6H2-(OH)3COO – C6H2(OH)2COOH

والاستر الناتج هذا مادة ذوابة بالماء بكل النسب كباقي المواد العفصية إلا أنه يصعب عليها أن تشكل راسبا مع الزاج الأخضر إلا إذا تحلمهت وعادت لشكلها الحمضي الحر الأصلي، وهذا يعني بالطبع أن استخلاص حمض العفص وتركه على شكل محلول مخزون لفترة طويلة قد يضعف كثيرا من فاعليته في تشكيل الراسب الأسود، أما عن مواد الدباغة فإنها مواد ذوابة بالماء وذات طعم عفصي مر، يمكننا استخلاصها من الكثير من النباتات كقشور الصفصاف والبلوط وبعض النباتات الاستوائية خاصة، مثل الكاد الهندي والعفص الهندي والسنط.

ويعتبر التانين مادة دباغة نموذجية إذ يتم استخلاصه بسهولة كبيرة من العفص والشاي أيضاً “وهو الذي يمنح محلول الشاي الطعم المر والقابض”، ويمكننا أن نجده على شكل مسحوق أبيض سهل الذوبان بالماء، يتحول بغليه بحمض كلور الماء إلى حمض العفص والسكر (الغلوكوز) وللتنينات المختلفة المصدر بنى كيماوية متباينة.

الزاج الأخضر: وهي كبريتات الحديدي سباعية الماء FeSO4.H2O ونجدها عادة على شكل بلورات خضراء اللون، وبما أنها من مركبات الحديدي فهي سريعة التأكسد بأكسجين الهواء الجوي الذي يحولها لكبريتات الحديد التي تعطي رواسب ملونة مع حمض العفص، وبالتالي يمكننا أن نقول عنها إنها تتخرب مع الزمن كونها لا تعطينا ما نروم إليه من رواسب سوداء.

الهباب: ويتم تداوله عادة بأسماء مختلفة مثل أسود الفحم أو سخام النفط أو السخام، السناج … ويقسم الهباب عملياً بحسب مصدره إلى أنواع ثلاثة:

  • الفحم المعدني: ويستخرج كفلز من باطن الأرض.
  • الفحم النباتي: ويستحصل عليه من تفحيم الخشب.
  • الفحم الحيواني: ويستحصل عليه من تفحيم البقايا الحيوانية كالعظام والشحوم.

وينتج الفحم أساسا عبر عملية التفحيم الطبيعية كما في الفحم المعدني أو الصنعية كما في الفحمين النباتي والحيواني، أما عن عملية التفحيم في حد ذاتها فهي عملية احتراق ناقص أي بمعزل عن الهواء أو بشروط تنخفض فيها نسبة الأكسجين وترتفع درجة الحرارة لذا ترافق عمليات التفحيم عمليات تبخر لبعض المركبات المرافقة للمادة الخام المراد تفحيمها بما يجعل أنواع الفحوم الثلاثة السالفة الذكر تتباين في خواصها الكيماوية والفيزيائية وهذا ما يهيء لنا أحباراً مختلفة الخواص في النهاية إذ تتباين في درجات نقاوتها وبريقها وقساوتهـا وامتصاصها لمكونات السائل الحبري الأخرى إضافة للوزن النوعي الذي يعني سرعة تزيد أو تنقص في الترسب أو البقاء معلقة.

ولقد تفنن الخطاطون وصناع الحبر كثيرا بطرق إجراء الاحتراق الناقص هذا ، فمنهم من كان يوقد سراجا وقوده نوع من أنواع الزيوت (كزيت الزيتون أو الكتان) إذ ينضد فوقه لوحاً زجاجياً لتلقف الهباب الناعم المتصاعد من لهب الاحتراق الناقص، ومنهم من كان يعتمد طريقة تفحيم الشحوم والدهون الحيوانية – كما في بعض مناطق شرق إيران – فكانوا يضعون كمية الشحوم المراد تفحيمها في جرة فخارية مغلقة تماماً ويلقون بها في أفران الخبز العاملة على الحطب لمددٍ قد تصل لستة أشهر يستخرجون بعدها الهباب لاستخدامه في صناعة الحبر، وطرحت حالياً الشركات العالمية فحماً ناعماً بأبعاد غروية وعلى درجةٍ عاليةٍ من النقاوة لاستخدامها في مجال صناعة الدهانات وأحبار الطباعة وما إلى ذلك من مجالات أخرى ويمكننا اعتمادها بكل اطمئنان دون أدنى ريبة من جدواها العملية بشرط حسن الاختيار.

2. المواد المثخنة والرابطة: اعتمد الصمغ العربي كأحسن مادة رابطة في صناعة الحبر العربي بالإضافة لخواصه المثخنة، ويستحصل على الصمغ العربي عادة من بعض أنواع أشجار الأكاسيا، ويحتوي على أملاح المغنيزيوم والكالسيوم لحمض العارابين، حلول بالماء، وترتفع لزوجته عند تحميض محلوله، لا ينحل بالأغوال ويتنافر مع بعض المواد كالفينول، سالب الشحنة وبالتالي علينا الحذر من إضافة أية مادة موجبة الشحنة للحبر (كبعض المواد المطهرة أو الحافظة) ، ويحتوي الصمغ العربي على بعض خمائر الأوكسيداز التي يتم تخريبها عادة بتسخينه لمدة ساعة واحدة بدرجة حرارة 100 ْم أو بتسخين لعاباته لمدة نصف ساعة على حمام مائي غال، علماً بأن للحرارة تأثيراً سيئاً على فعالية الصمغ عموماً.

ويعطي الصمغ العربي حبوباً قاسية بعد فترة من الزمن – في حال أردنا تجفيف الحبر كما هو معمول به في الكثير من بقاع العالم – لذا فإنه من الأفضل إضافة بعض السكر أو الغليسرين أو مسحوق عرق السوس له، وعموماً يستخدم الصمغ العربي في صناعة الحبر العربي لهدفين رئيسين:

  • كمادة رابطـة: لربط جزيئـات الهباب وعفصات الحديدي ببعضها البعض من جهة، ومع مادة الكتابة (الورق، الجلد الخشب…) من جهة ثانية.
  • كعامل تثبيت غروي: برفعه من لزوجة السائل الحبري مما يعيق ترسب جزيئات حوامل اللون، ولنا أن نذكر في هذا المجال أنه وإن كان الصمغ العربي من أشهر الصموغ التي نعرفها فإن هذا لا يعني أنه الصمغ الوحيد المتداول عالمياً، إذ أن ثمة قائمة طويلة من الصموغ يتم استخدامها هنا وهناك لأغراض شتى، ومنها:

اسم الصمغ أو الراتنج

حرارة الانصهار  ْم
صمغ كوبال زنجبار Gomme copal zanzibar 360
صمغ كوبال مدغشقر Gomme copal madagascar 350
صمغ الكوبال الأنغولي الأحمر Gomme copal angola rouge 320
صمغ كوبال الكولومبي Gomme copal colombie 310
عنبر أو الكهرمان الأصفر Amber ou succin 310
صمغ الكوبال الكونغولي القاسي Gomme copal congo dure 300
صمغ الكوبال الكونغولي نصف القاسي Gomme copal congo demi – dure 260
صمغ مانيلا القاسي Gomme manille dure 230
صمغ الكوبال الكونغولي اللبني Gomme copal congo laiteuse 220
صمغ الكوبال الغوياني Gomme copal guyane 215
صمغ دامار السومطري Gomme dammar sumatra 190
صمغ بنغولا Gomme benguela 185
الصمغ الكوري البني Gomme kauri brune 185
الصمغ الكوري الأشقر Gomme kauri blonde 165
الصمغ الكوري بوش Gomme kauri bush 150
صمغ سيراليون Gomme sierraleone 150
صمغ الكوبال الكاميروني Gomme copal cameroun 150
صمغ بوتنياناك Gomme pontianak 140
صمغ بنين Gomme benin 140
راتنج السندورس Resin sandaraque 140
صمغ اكرا Gomme accra 130
صمغ اللاك Gomme laque 120
راتنج مانيلا اللين Gomme manilla tender 120
صمغ انغولا الأبيض Gomme Angola blanche 115
راتنج دامار بورنيو Resin dammar borneo 115
صمغ البرازيل Gomme bresil 105
راتنج دامار باتافيا Resin dammar batavia 100
بنجوان / راتنج لين / Benjoin (resine tender) 95
راتنج دامار سنغافورا Resin dammar singapour 95
راتنج مصطكى Resine mastec 90
راتنج البطم Colophane (resine) 75
سندراغون Sandragon 70
راتنج اكرواد Resin accroide 70
راتنج اليمي Resin elemi 65
اصطرك Styrax سائل
سائل العنبر Liquid ambar سائل

وأعتقد أنه بإمكاننا إجراء تجارب على صموغ أخرى غير الصمغ العربي إن أردنا وفيما لو تحققت الشروط التالية:

  • تحقيق قوة ربط ملائمة.
  • سهلة الانحلال بالماء.
  • تحقيق درجة رفع لزوجة السائل الحبري إلى الحدود المطلوبة وبالتوازي مع قوة الربط.
  • إعطاء طبقة أو فيلم طري بعد الجفاف بحيث لا يتكسر عند طي مادة الكتابة مهما اختلف أسلوب الطي.
  • الخمول الكيماوي بعد الكتابة والجفاف وبالتالي عدم تخربها بفعل الخزن الطويل ضمن شروط الحفظ الطبيعية.
  • عدم تسببها بأي تخريش لسطح الورق أو الجلد أو أي مادة كتابة.
  • متوسطة أو منخفضة اللمعان.

3. الماء: يمكننا استخدام الماء الشروب العادي وليست هناك أي حاجة لماء مقطر أو بأية مواصفات خاصة.

4. المواد المساعدة أو الحافظة: كثيراً ما يلجأ الخطاطون أو صانعو الحبر لمواد أخرى يرونها ضرورية إن لم تكن أساسية ومن هذه المواد نجد:

1.4. السكر: بما أن حدا أدنى من اللزوجة علينا تحقيقه كي لا تترسب حوامل اللون المعلقة في السائل الحبري فإنه من الواجب علينا إضافة مادة مثخنة لأن الصمغ لا يمكننا أن نتجاوز في نسبته حداً معيناً وإلا ضعفت خواص سيولته ومده كثيراً، وهذا ما دفع بالخطاطين أن يضيفوا السكر إلى الحبر إضافة لعامل آخر أقل أهمية وينحصر في عادة لعق الحبر عند ارتكاب خطأ ما في الكتابة، ولما كان طعم العفص شديد المرارة فقد وجد أن السكر أفضل المثخنات لهذه الغاية.

وأيضاً وكما أسلفنا سابقا يتصلب الصمغ بصورة قاسية عند جفافه وتفيد إضافة السكر في منع حدوث هذه الظاهرة.

2.4. مسحوق التربة الغضارية: يلجأ بعض الخطاطين لإضافة شيءٍ من التربة الغضارية البنية اللون والشديدة النعومة للتخفيف من زرقة لون السائل الحبري الذي يظهر أحياناً بسبب تخرب الزاج الأخضر وسوء عمليات استخلاص العفص.

3.4. الشبة: يطلق اسم الشبة على مجموعة كبيرة من المركبات الكيماوية، ويعد شب الألمنيوم والبوتاسيوم من أبرزها. إذ تلعب الشبة دور المادة الحافظة أو المانعة للتعفن عموماً، ولكن من الضروري جداً عدم إضافتها إلا بكميات وكميات منخفضة قدر الإمكان لأنها تتسبب بترسب حوامل اللون المعلقة.

4.4. أصفر الزرنيخ: وأشهر من نصح باستخدامه ابن البواب في رائيته:

وألقِ دواتك بالدخـان مدبـراً   بالخلِّ أو الحصرمِ المعصورِ
وأضف إليه مغرةً قد حُوِلَت   مع أصفـرِ الزرنيخِ والكـافورِ

وأصفر الزرنيخ ما هو إلا مركب كبريت الصوديوم Na2S المستخدم كعامل إرجاع في الكثير من العمليات الكيماوية ويفيد هنا كمانع أكسدة وتعفن في آن معاً، ولأصفر الزرنيخ سيئتان لا يمكننا التغاضي عنهما:

  • الرائحة الكريهة: وهذا حال معظم المركبات الكبريتية.
  • السمية العالية: وغالب الظن أنه قد يكون السبب الرئيس لوفاة الكثير من الخطاطين الذين كانت لهم عادة لعق الحبر أثناء الكتابة عند الخطأ.

5.4. الكافور: وأيضاً وكما مر معنا فقد أورده ابن البواب في رائيته إذ أنه يفيد في تطييب رائحة الحبر وخاصة عند إضافة أصفر الزرنيخ إليه.

6.4. العسل: له مفعول السكر كمثخن وفي الآن عينه نجد أن العسل يحوي بعض الكيماويات التي تلعب دور المادة الحافظة علاوة عن طعمه المحبب.

7.4. الصبر: يفيد في منع وقوف الذباب على الحبر.

8.4. الملح: يزيد من شدة سواد الحبر.