سر قطرة الأمير روبرت الزجاجية
يومياً نتعامل مع الزجاج، وهي مادة مألوفة لجميع البشر، لكن ما لا نعرفه هو أنه يمكن لقطعتي زجاج لهما نفس التركيب الكيميائي، أن يختلفا من حيث الخواص الميكانيكية، عند تعرض كل منهما لمعالجة حرارية مختلفة، وقد لاحظ ذلك صانعوا الزجاج عبر العصور.
عائلة الزجاج متنوعة بشكل كبير، مثل المعادن والسيراميك والبوليميرات، أحد هذه الأنواع سمي تاريخياً باسم أمير بريطاني، الأمير روبرت بافاريا (1619-1682) Prince Rupert of Bavaria، حفيد جيمس الأول، ومع أنه يقال بأنّ اكتشافه كان قبله بكثير، وكان يسمى سابقاً بدموع الهولندي Dutch Tears. ما يميز هذا النوع من الزجاج، أنه يتحمل أثقال كبيرة، لكنه عند كسره من طرفه الرفيع، يتشظى لقطع ناعمة، وقد بقي تفسير هذه الظاهرة عصياً على العلماء، حتى تمت دراسة الزجاج والمعالجات الحرارية له بشكل مفصل.
تشكيل قطرة الأمير روبرت
عند صهر الرمل السيليكاتي (تبلغ درجة انصهاره ~15000C) يتم أخذ قطرة من المصهور، ثم يتعرض لعملية تبريد سريع ضمن وعاء مائي متوازن حرارياً مع درجة حرارة الغرفة، ويكون شكل القطرة المتصلبة كروية وتملك نهاية تشبه ذيل يتناقص قطره ليصبح رفيعاً جداً.
باعتبار شكل القطرة غير منتظم، سوف تكون آلية التبريد مختلفة عن مادة ذات شكل منتظم: تبرد الطبقات الخارجية للزجاج بسرعة كبيرة، وتتقلص حالما تتصلب، بينما تبقى الطبقات الداخلية مصهورة وتنخفض حرارتها بشكل أبطأ من الطبقات الخارجية. سوف تتفلص الطبقات الداخلية أيضاً حالما تتصلب، لكن بما أنّ الطبقات الخارجية هي متصلبة من قبل، لن تتلاءم مع الشكل النهائي مع الطبقات الداخلية.
العلاقة التي تربط مابين مدى التقلص مع درجة الحرارة:
ΔL = αL0ΔT
حيث α معامل التمدد الطولي، ΔL تغير طول العينة، L0 الطول الأصلي، ΔT فرق درجات الحرارة.
ما يميز الزجاج المعالج بهذه الطريقة أنه عندما ينكسر، سوف يتشظى لأجزاء ناعمة جداً، ذات حواف غير حادة أي يصبح زجاج آمن، وهي عملية صناعية لتشكيل الزجاج الآمن، في وسائل النقل، المنشآت العامة وغيرها.
عند ضرب القطرة الصلبة بالمطرقة، لا يحدث انكسار، لكن عند ضرب نهاية القطرة النحيل، يحدث تكسر لكامل جسم القطرة، يعزى ذلك لتحرير كمية كبيرة من الطاقة الكامنة المختزنة ضمن البنية الزجاجية، مما يسبب انتشار الكسر ضمن كامل الجسم بسرعة عالية جداً وصولاً لرأس القطرة، والتي تنكسر بكاملها إلى مسحوق عال النعومة.
يمكن تفسير هذه الظاهرة تيرموديناميكياً وميكانيكياً:
تيرموديناميكياً: عند التبريد السريع لمصهور أية مادة، لن تملك الذرات أو الجزيئات الزمن اللازم لكي تعود لمواضع توازنها، وبالتالي سوف تتخذ مواضع غير مستقرة، ويتعلق ذلك بمعدل التبريد، فكلما كانت الحرارة الممتصة من الجملة كبيرة ضمن زمن قصير، سوف تصبح الجملة أكثر عشوائية (ازدياد انتروبي الجملة، زيادة الحجم النوعي، انخفاض الكثافة) وتبتعد أكثر عن التوازن، وطبعاً تنخفض احتمالية تشكل طور متبلور.
نظرياً، وبفضل طبيعة الروابط بين الذرات المكونة للزجاج، يجب أن يملك الزجاج قوة أكبر بـ 5 مرات من قوة الفولاذ. عملياً تقل قيمة قوة الزجاج عن الفولاذ.
نتيجة التبريد السريع، يتصلب مصهور الزجاج ليصبح ذو صلابة عالية، تعرف هذه العملية في علم المواد بالتطبيع Tempering، وهي عملية مرغوبة صناعياً من أجل الحصول على مواد ذات صلابة عالية، ومرونة منخفضة، حيث يتم تسخين زجاج مقسى مسبقاً Annealed Glass حتى 7500C، من ثم يبرد سطحي الزجاج بمعدل عالِ، ويمكن لهذا النوع من الزجاج أن يتحمل 4 مرات الضغط المطبق على نفس الزجاج غير المعالج.
ميكانيكياً: يمكن توزيع المصطلحات على شكل توزع القوى ضمن جسم القطرة:
بسبب هذه الآلية، ونتيجة فرق معدل التبريد بين الطبقات الداخلية والخارجية، سوف تتداخل قطاعات سلاسل السيليكات مع بعضها بشكل عشوائي، سوف ينشأ ضمن القطرة إجهادات داخلية (تسمى أيضاً بالإجهادات المتبقية Residual Stresses)، بحيث تكون الطبقات الداخلية مشدودة، موترة Under Tension وتقوم بشد الطبقات الخارجية من جميع الجهات، ولم تستطع القطرة إزالة هذه الإجهادات ضمن زمن قصير وتبقى ضمن المادة، بينما تكون الطبقات الخارجية تحت تأثير الضغط (قد يبلغ إجهاد الضغط حتى 69MPa)، يمكن تشبيه القطرة بالنابض المرصوص عند فلته، سوف يحرر مقدار كبير من الطاقة عند التوصل لمسار يعيد النابض لوضع التوازن الميكانيكي.
إذاً يمكن اعتبار قطرة الأمير روبرت مادة زجاجية عالية الإجهاد ميكانيكياً، وذات كمون عالِ تيرموديناميكياً، وتسعى إلى الاستقرار عند وجود مؤثر خارجي يستطيع تجاوز الحاجز الطاقي، يتمثل ذلك بطرق طرف القطرة بلطف، يؤدي ذلك لتحرير الإجهادات، وانكسار المادة بذلك الشكل المفاجئ.
تعتبر الإجهادات الداخلية في المواد ظاهرة شائعة، حيث يمكن دراسة الإجهادات في المواد النفوذة للضوء مثل الزجاج، البوليميرات، حيث يمكن رؤية الإجهادات الداخلية للزجاج باستخدام المرشحات المقطبة Polarizing Filters، وهي تقنية تستخدم لدراسة المرونة الضوئية Photoelasticity، حيث يدل التدرج اللوني على مدى الإجهادات الداخلية، وما يميز هذا النوع من الزجاج، هو ارتفاع مدى الإجهادات ضمن المادة، يمكن بشكل تقريبي تحديد توزع الإجهادات المتبقية في المادة ضمن اتجاه اختياري وليكن z، باستخدام معادلة A. Osswald:
حيث Tf درجة الحرارة النهائية، E معامل المرونة، α معامل التمدد الحراري، Ts درجة حرارة التصلب، أو درجة حرارة الانتقال الزجاجي، L نصف السماكة، z الموضع.
هناك تجمع ما بين المقادير التيرموديناميكية والمقادير الميكانيكية ضمن معادلة واحدة:
U طاقة الانفعال، أو الطاقة الصادرة من المادة بعد إزالة الإجهاد، σ إجهاد الشد، E معامل المرونة، Vحجم المادة. تدل هذه المعادلة أنه كلما كانت القطرة الزجاجية تختزن طاقة داخلية كامنة على شكل إجهادات، سوف تتشظى المادة بشكل كبير (التشوه كبير لدرجة انفجار المادة).
بسبب سرعة انتشار التكسر ضمن القطرة، تستخدم كاميرات خاصة يمكنها التقاط تستطيع أكثر من fps100000، وقد دلت الحسابات باستخدام هذه الكاميرات، أنّ السرعة الوسطية لانتشار الكسر ضمن القطرة تبلغ 1658 m/s، لذلك من المستحيل رؤية انتشار الكسر بالعين المجردة.