الكيمياء والآيس كريم
ربما ليس هناك متعة في الطفولة كالمتعة التي نلقاها عند قدوم سيارة الآيس كريم مع الأغاني الدالة عليها ولكن المميز في ذلك أنها لاتجذب الأطفال فقط بل أيضاً البالغين، حيث دلدت دراسة أمريكية أنّ البالغين يستهلكون حوالي 1.5بليون غالون سنوياً أي بحدود 5 غالون لكل شخص (19 لتر تقريباً) وكل هذه المتعة في المذاق نتيجة عدة سنوات من الخبرة المتضمنة أحد أهم فروع العلم -تستطيع تخمينها – نعم إنّها الكيمياء.
الهواء ضروري
إذا أردت أن تصنع الآيس كريم فأنت تعلم مسبقاُ بأنّ مكوناته هي من الحليب والكريم والسكر ولكن هناك مكون رئيسي ربما لم يخطر ببالك! ربما لأنك لاتراه.
لماذا الهواء مهم جداً؟ لنفرض أنه لديك وعاء من الآيس كريم وتركته ينصهر وبعد ذلك أعدت تجميده فعندها ستجد بأنّ طعمه لن يكون جيداً كما كان بالسابق. وبالمقابل إذا قمت بملئ إناء بالآيس كريم بشكل تام وتركتها تنصهر فإنّك ستلاحظ مباشرة أنّ حجمها بعد الذوبان أصبح أقل.
يشكل الهواء 30%-50% من الحجم الكلي للآيس كريم
لنأخذ فكرة عن تأثير الهواء على الآيس كريم … فالنتأمل الكريمة المخفوقة. أنت تعلم إذا قمت بخفق الكريم النقي بالهواء فسوف تحصل على الكريمة المخفوقة وهكذا ستعرف أنّ الكريم النقي له طعم وملمس مختلف كلياً عن الكريمة المخفوقة فالكريمة النقية أشد حلاوة بكثير من الكريمة المخفوقة، والحال كذلك مع الآيس كريم، إذا كانت بدون هواء وهذا يعود إلى أنّ حالة المادة (المقصود هنا الحجم المولي) قد تملك تأثير كبير في كيفية إعطائها الطعم فهي أحياناً تتحكم بسرعة تحرير الجزيئات المسؤولة عن إعطاء الطعم في الفم وهنا تكون البنية الأضخم هي بنية الآيس كريم وهنا تستغرق جزيئات الطعم وقتاً أطول لتصل إلى المستقبلات الحسية الموجودة على اللسان.
تعرف كمية الهواء المضاف إلى الآيس كريم بالتجاوز فإذا تضاعف حجم الآيس كريم نتيجة إضافة الهواء فإنّ التجاوز يكون 100% وهو أعلى قيمة تجاوز مسموحة للحصول على الآيس كريم التجاري حيث أنّ الأنواع الأرخص تحتوي هواء أكثر من القيمة الموصى بها وأحد الاثار الناجمة عن ذلك هو انصهاره بسهولة أكثر من الآيس كريم النظامي.
انّ كمية الهواء لها أيضاً تأثير على كثافة الآيس كريم فمثلاً غالون (3.8 لتر) من الآيس كريم يجب أن تزن على الأقل 4.5 باوند وبذلك تكون الكثافة 0.54 غ/مل إلا أنّ الأنواع الأفضل لديها كثافة أعلى تصل حتى 0.9غ/مل لذلك في المرة القادمة عندما تزور السوبر ماركت قم بالمقارنة بين النوع الرخيص والنوع الغالي عن طريق وضع واحدة في يد والأخرى في اليد الثانية وتعرّف عندها على الفرق في الوزن وبعدها قم بقراءة الوزن الصافي على كل مغلف لتتأكد من تقييمك، وهذا يؤثر أيضاً على المحتوى العالي من الدسم في كثافة الآيس كريم كون الدسم أقل كثافة من الماء.
يعتبر الآيس كريم مستحلب فهو ناتج عن اتحاد سائلين غير قابلين للامتزاج مع بعضهم
تكون قطيرات الدسم السائلة منتشرة عبر خليط من الماء والسكر والمواد المتجمدة وكلها مع فقاعات الهواء فإذا قمت بفحص الآيس كريم عن كثب فإنّك ستجده ذات بنية مثقبة حيث تكون جيوب الآيس كريم بقطر بحدود بضع ميليمترت وهكذا يكون وجود الهواء دالاً على أنّ الآيس كريم عبارة عن رغوة كما هو حال الكريمة المخفوقة والمارشميللو والميرنغ (نوع من أنواع الحلوى)
السكر والدسم
يحتوي الحليب الطازج على اللاكتوز و لكنه ليس حلواً كفاية ما يجعل صناعة الآيس كريم تتطلب إضافة كمية قد لا تستطيع توقعها من السكر (السكروز أو الغلوكوز).
إنّ البرودة تجعل الحليمات الذوقية أقل تحسساً للأطعمة لذلك لابدّ من زيادة كمية السكر للوصول إلى الطعم المرغوب به عند درجة الحرارة المنخفضة وهكذا إذا قمت بتذوق الآيس كريم المنصهر عند درجة حرارة الغرفة فسوف تجد أنه حلو بشكل لا يمكنك تحمله. يمكنك أن تلاحظ ذلك عند شرب المياه الغازية عند درجة حرارة الغرفة حيث ستلاحظ فوراً أنّ طعمها أشد حلاوة حتى أنه في بعض مناطق العالم حيث تقدم المياه الغازية فاترة تكون كمية السكر المضافة أقل مما هو عليه في المناطق الني تقدم فيها باردة.
وكسبب كبير يجعل طعم الآيس كريم جيداً هو محتواه العالي من الدسم -إلا إذا كان قد كتب عليه قليل أو قليل جداً أو لا يحتوي على الدسم- حيث أنه يحتوي على الأقل 10% من الدسم وهذا الدسم يجب أن يأتي من الحليب.
تظهر طبقة من الكريم على السطح، قبل مجانسة الحليب، حيث أنّ هذه الكريمة ذات محتوى عالي من الدسم تصل حتى 50% وهي تزودنا بمعظم الدهون التي تضاف إلى الآيس كريم.
يجب أن تصل نسبة الدهون في الآيس كريم إلى 20% حيث أنها هي المسؤولة عن إعطاء البنية المخملية والغنية للآيس كريم فالنسب المنخفضة من الدسم في الآيس كريم لا تعطيه المذاق الجيد المعتاد وتميل لتفقد طبيعتها الكريمية، فعلى الرغم من كون الدسم منبوذة من قبل العديد من الناس، إلا أنها لها أهدافها عندما تضاف فهي تعطي العديد من الأطعمة الطعم اللذيذ إضافة إلى أنها تعطيك شعور بالشبع لذلك لا حاجة عندها لتأكل المزيد ولكن ثمة مشكلة في التعامل معها حيث أنها لا تختلط جيداً مع المكونات التي تضاف إلى الطعام فجزيئات الدسم غير قطبية وهذا يعني أنّ الشحنات الجزئية الموجبة والسالبة مشتتة بشكل متساوي في الجزيء. فالمواد القطبية كالماء لديها مناطق للشحنات الجزئية الموجبة ومناطق للسالبة وهكذا يكون لهذا الجزيء نهاية للشحنة الجزئية السالبة وبالمقابل تكون النهاية للشحنة الجزئية الموجبة.
فالمواد القطبية تذيب الجزيئات القطبية واللاقطبية تذيب اللاقطبية. أما الدسم والماء فهما من طبيعتين مختلفتين لذلك يطفوا الزيت على سطح الماء دون أن يذوب فيه وهكذا يميل الدسم في الآيس كريم إلى أن ينفصل عن المكونات الآخرى ليشكل طبقة على السطح.
إبقاء جميع المكونات مع بعضهم
نظراً لكون الآيس كريم عبارة عن مستحلب فلا بد أنك قد توقعت انفصال المكونات عن بعضها، كما هو الحال مع صلصة السلطة، حيث تلاحظ عند شرائك للعبوة انفصال مكوناتها عن بعضهم لذلك لا بد من خضها جيداً قبل استعمالها حتى أنّ مكوناتها لا تلبث بضع دقائق لتنفصل من جديد وتدعى هذه العملية بالاتحاد.
ففي حالة الحليب تكون كل قطيرة دسم مغلفة بطبقة من بروتين الحليب، حيث تحول هذه الطبقة دون اتحاد قطيرات الدسم مع بعضها فتلعب بروتينات الحليب هنا دور المذيلات التي تقوم بتثبيت المستحلبات حيث تبقي قطيرات السائل متبعثرة بدلاً من الاندماج مع بعضها فبنية بروتينات الحليب شبيهة بالمذيلات فلها جزئين قطبي ولا قطبي فالجزء اللاقطبي يجذب الجزء اللاقطبي والجزء القطبي يجذب الجزء القطبي وبذلك تجذب جزيئات الدسم الجزء اللاقطبي من البروتين في حين يجب يجذب جزأه القطبي جزيئات الماء، ولكن هذا الشيء جيد في الحليب ولكنه غير جيد في الآيس كريم، حيث ينبغي أن تتحد قطيرات الدسم مع الهواء المحتبس. لذلك يضاف نوع آخر من المواد المستحلبة ليسمح لقطيرات الدسم بالاتحاد حيث تزيل البروتينات من على سطح قطيرات الدسم مؤدية بذلك إلى غشاء رقيق من الدسم وتزيد عملية الخفق مع الهواء من عملية اتحاد قطيرات الدسم لتكوين ذلك الغشاء.
يستخدم الليسيثين كمادة مستحلبة ويوجد في صفار البيض وهو يشير إلى مجموعة من الجزيئات تتألف من سلسلة طويلة من الحموض الدسمة مرتبطة بجزيء غليسيرول والمرتبط بدوره بالكولين ومجموعة فوسفات. يقوم الليسيثين بحقن نفسه داخل قطيرات الدسم ويجعلها تتحد مع بعضها وكنتيجة لذلك تحتبس فقيعات الهواء الموجودة في الخليط عن طريق جزيئات الدسم المرتبطة مع بعضها جزئياً (على شكل غشاء رقيق) وهذا ما يعطي القوة والبنية الكريمية للآيس كريم ويمكنه من البقاء على شكل رغوة.
يرتبط دور المواد المثبتة والمواد المساعدة على الاستحلاب بشكل وثيق بعملية الاستحلاب: فكلاهما تساعدان في تشكل البنية الكريمية فاللمواد المثبتة دوران هما:
- الدور الأول: تمنع تشكل البللورات الكبيرة ففي وجودها تتشكل فقط البللورات الصغيرة والناعمة، حيث تنصهر هذه ببطء أكثر من البللورات الكبيرة ويعود هذا إلى العزل الذي تمارسه طبقة الدسم المحيطة بها.
- الدور الثاني: تقوم المستحلبات مع الهواء بدور شبيه بالاسفنج، حيث تقوم بامتصاص واحتجاز أي سوائل تنصهر في الآيس كريم.
بعض المثبتات الشائعة هي البروتينات كالجيلاتين وبياض البيض بالإضافة إلى الصموغ مثل صمغ الغار وصمغ حبة الخرنوب وصمغ الكسانثان). قم بالبحث عن الكارجينات وألجينان الصوديوم على لصاقة غلاف الآيس كريم، حيث كلّاً منهما عبارة عن مشتقات من النباتات البحرية (و بدون هذه المواد يكون الآيس كريم كاللبن المخفوق). وهكذا عندما تكون جميع مكونات هذا الخليط لديك فكل ما أنت بحاجته بعدها هو عملية التجميد لتحصل على الآيس كريم.
إنّ المواد المنحلة (وعلى وجه الخصوص السكر) عندما تكون منحلة في المحلول تقوم بخفض درجة الانصهار حيث يلاحظ انخفاض درجة انصهار المحلول بحدود 1.86 م لكل مول سكر يضاف إلى 1 لتر من الماء. بكلمات أخرى إذا قمت بحل 1مول من السكر في 1 لتر من الماء فالماء سوف يتجمد عند الرجة -1.86م وليس عند 0 م. حيث إنّ انخفاض نقطة الغليان من الخصائص المرتبطة فقط بتركيز المادة بغض النظر عن بنيتها. وبالنظر إلى جميع المواد المنحلة في الآيس كريم فإنّ الآيس كريم سوف يعاني من انخفاض شديد بدرجة الانصهار حيث تكون بحدود -3 م.
أنواع الآيس كريم
ما الفرق بين الآيس كريم الناعم والكاسترد المجمد واللبن المجمد؟
يقدّم الآيس كريم المعروف عادة عند درجة حرارة -12 مْ بينما يقدم الآيس كريم الناعم عند درجة حرارة -6 م. فدرجة الحرارة الأعلى هذه منطقية للآيس كريم الناعم فهو بشكل مختصر يحتوي على نسبة أقل من الدسم ونسبة أكثر من الهواء بالمقارنة مع الآيس كريم العادي فالآيس كريم الناعم والذي تكون نسبة الهواء فيه منخفضة يكون لونه أصفر وهو ذو نوعية رديئة حيث يكون اللون الأبيض منه هو صاحب النوعية الجيدة ولا بد أنك صادفت هذا اللون الأصفر للآيس كريم وهو المكونات المستخدمة لصناعته ولكن إضافة الهواء له ونفشه به يجعل الآيس كريم أكثر قدرة على عكس الضوء المرئي معطياً بذلك اللون الأبيض للآيس كريم وهذا يعود إلى كون الجزيئات المستخدمة في صناعته كبيرة كفاية لتتمكن من عكس الضوء بينما تكون جزيئات الماء صغيرة جداً لتتمكن من عكس الضوء المرئي، حيث أنّ جزيئات الماء أصغر حجماً من أطوال أموج الضوء المرئي.
الكاسترد المجمدة
تختلف عن الآيس كريم باحتوائها على الأقل 1.4% صفار البيض الذي يحتوي على الليسيثين
يعتبر الليسيثين أفضل مادة استحلاب وبذلك نحصل على منتج ذو ملمس كريمي أنعم من الآيس كريم، وكاختلاف آخر عن الآيس كريم هو احتوائها على نسبة هواء أقل من الآيس كريم وعند صناعته لا يخلط الهواء مع المكونات الأخرى أثناء عملية التصنيع حيث يتم الخلط مع الهواء عندما تبدأ عملية تجميد الكاسترد فبذلك تتم عملية الخلط بشكل أكثر بطء وتقل نسبة الهواء عند الخلط. تصنع الكاسترد يومياً بشكل طازج وتتم عملية التجميد بسرعة تلافياً لتشكل البللورات الكبيرة من الماء أو السكر أو أي مادة أخرى مضافة.
اللبن المجمد
يعود اللبن المجمد لينتشر من جديد حيث تراه الآن في بعض الأماكن في أجهزة تقوم بتصنيعه ألياً ويعد هذا النوع من البوظة أفضل من الناحية الصحية فهو يحتوي نسبة دسم أقل وبذلك فسوف تأكل زيادة منه لتشعر بالشبع ولأنه تم تعويض النقص في الدسم عن طريق زيادة نسبة السكر فيه فالفرق الكبير الوحيد هنا أنه يتم إضافة الحليب بدلاً من الكريمة فيما باقي العمليات تبقى كما هي في صناعة الآيس كريم.
كما يعد استخدام النتروجن السائل تطور جديد في صناعة الآيس كريم، حيث يوجد أماكن تقدم الآيس كريم مجمدة باستخدام النتروجن السائل. ويمكنك أن ترى عملية التصنيع والتجميد بهذا السائل البارد جداً وكذلك الغيمة المتشكلة عند التصنيع. يؤدي النتروجن السائل ذو درجة الغليان -196 إلى تجمد الآيس كريم بشكل سريع وبذلك تتشكل بللورات ناعمة جداً وكونه يغلي عندما يلامس الخليط فهو يؤدي إلى تهوية الخليط خلال العملية وهكذا نحصل هلى آيس كريم فائق النعومة والطعم أيضاً. ويمكننا أن نقول بصدق إنه ألذ آيس كريم على سطح الارض.
المصدر: