الطاقة الزرقاء (الأسموزية) الناتجة عن التقاء البحر مع النهر


الطاقة الزرقاء (الأسموزية) الناتجة عن التقاء البحر مع النهر

 

يحيط بنا الكثير من الظواهر الطبيعية التي تخفي ورائها العديد من الفوائد، دعنا نمعِن النظر قليلاً إليها، فحينما تصب مياه النهر العذبة في بحر شديد الملوحة، أو تلتقي مياه البحر مع المحيط، فإن هذا التفاوت في درجة الملوحة يمكنه انتاج كمية من الطاقة الكهربائية تضاهي تلك الناتجة من الشمس أو حتى من الرياح.

فهل نستطيع استغلال هذه الظاهرة لتوليد طاقة نظيفة ومستدامة مادامت المياه جارية؟ يمكن ذلك من خلال ما يسمى بـ “الطاقة الأسموزية” أو الطاقة الناتجة من التدرج في الملوحة وسميت كذلك بالطاقة الزرقاء.

نظرة عامة

الطاقة الأسموزية هي طاقة متجددة ومستدامة ناتجة من الفرق في تركيز الملوحة بين ماء البحر المالح وماء النهر العذب، بحيث يؤدي ذلك إلى فرق في الضغط يستخدم في تحريك التوربينات التي تنتج طاقة حركية يمكن تحويلها إلى كهرباء من خلال المولدات.

 

وهناك عدة تقنيات لإنتاج الطاقة الإسموزية، لعل أهمها وأكثرها شيوعاً هي تقنية الضغط الأسموزي العكسي Pressure Retarded Osmosis (PRO)، وطرق أخرى مستخدمة قيد التطوير مثل تقنية تبادل الأيونات الملحية تحت تأثير فرق جهد كهربي وتسمى بالتوصيل الكهربي العكسي Reverse Electrodialysis (RED)، وطريقة تعتمد على تقنية المكثفات الكهربية المزدوجة وأخرى على الاختلاف في الضغط البخاري.

ما هي تقنية الضغط الأسموزي العكسي (Pressure Retarded Osmosis (PRO

تقنية تعتمد على الخاصية الأسموزية لإنتاج الطاقة، وتتألف من غشاء رقيق شبه منفذ يفصل بين الماء المالح والعذب، بحيث تنتقل جزيئات الماء الأقل ملوحة والتي تحمل ضغط منخفض إلى الماء الأكثر ملوحة والذي يحمل ضغط أعلى عبر الغشاء، وهذا الغشاء الشبه المنفذ يسمح للمذيب أي الماء بالنفاذ ولا يسمح للمذاب وهو الملح بالمرور من خلاله، وبالتالي يحدث تدرج في الضغط عبر الغشاء مؤدياً إلى تحريك التوربينات التي تنتج طاقة حركية، يتم تحويلها فيما بعد إلى طاقة كهربائية باستخدام المولدات.

وفي عام 2009 افتتحت شركة الكهرباء النرويجية ستاتكرافت Norwegian utility Statkraft أول محطة للطاقة الأسموزية تعمل بتقنية الضغط الأسموزي العكسي PRO على خليج أوسلو Oslofjord، وقد هدفت إلى انتاج كهرباء كافية للإضاءة والحرارة خلال خمس سنوات، في البداية تم إنتاج كمية ضئيلة من الطاقة وصلت إلى 4 كيلو واط، ولكن في عام 2015 وصل مقدار الطاقة الناتجة إلى 25 ميجا واط أي نفس ما تنتجه مزرعة رياح صغيرة.

تحديات وحلول

  • تكلفة الغشاء

أعيق تنفيذ محطات الطاقة الأسموزية على نطاق واسع منذ فترة طويلة، بسبب قضايا التكلفة والجودة، فتكلفة الغشاء المستخدم في التقنية الأسموزية شكَّل عقبة كبيرة.

وقد تم تطوير أنواع أغشية جديدة منخفضة التكلفة مثل استخدام البلاستيك المعدل كهربائياً “البولي ايثيلين” Polyethylene، وبالتالي تصبح جاهزة للاستخدامات التجارية.

  • الأثر البيئي السلبي

بما أن الناتج الأساسي من تقنية الطاقة الأسموزية هو الماء المالح، فإن تصريف المياه المالحة إلى المياه المحيطة بالمحطة الأسموزية سيؤدي إلى تقلبات في الملوحة، لاسيما إذا كانت الكميات الناتجة من المياه المالحة كبيرة وبشكل منتظم، مما قد يؤثر بدوره على النباتات والحيوانات البحرية التي اعتادت على بيئة ملحية معينة.

الدور المتبادل بين المحطات الأسموزية ومحطات تحلية المياه

مما تجدر الإشارة إليه كميزة فريدة هو امكانية بناء محطات الطاقة الأسموزية بالقرب من محطات تحلية المياه، بحيث يتم استخدام المحاليل الملحية الناتجة من عملية تحلية المياه كمصدر للطاقة الاسموزية، وفي المقابل فإن الطاقة الناتجة من محطات التوليد الاسموزية تستخدم كطاقة لعمليات تحلية المياه.

وهذا التكامل بين تقنية الطاقة الأسموزية وتقنية تحلية المياه يعتبر بديلاً واعدًا لتوفير الطاقة وبالتالي التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري والحد من الآثار البيئية الناجمة عن تصريف المياه شديدة الملوحة.

وحسب دراسة قامت بها جامعة ييل Yale university في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2012، فقد وصلت أعلى قيمة للكفاءة يمكن الحصول عليها في محلول ماء البحر المالح مع محلول النهر المغذي تحت ضغط ثابت وباستخدام تقنية الضغط الأسموزي العكسي PRO إلى 91%.

وما زالت الجهات البحثية تعمل من أجل زيادة محصلة الطاقة الناتجة من المحطات الإسموزية، واعتمادها كمصدر متجدد قادر على تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والتخفيف من آثار تغير المناخ، وكما تم استغلال الموارد المائية لإنتاج الطاقة الكهربية فلا عجب إذا رأينا مثلاً استغلال الأشجار في توليد الكهرباء.

المصطلحات

الخاصية الأسموزية: هي حركة انتقال جزيئات الماء عبر غشاء شبه منفذ من منطقة ذات كثافة مائية مرتفعة (تركيز منخفض من المذاب) إلى منطقة ذات كثافة مائية منخفضة (تركيز أعلى للمذاب) دون الحاجة لاستهلاك طاقة.