الطابعة ثلاثية الأبعاد عالمٌ جديد من التكنولوجيا

 

الطابعة ثلاثية الأبعاد عالمٌ جديد من التكنولوجيا

00-300x180

 

عندما نتحدث عن الطابعات، فإن أول ما يخطر في بال الكثيرين منا للوهلة الأولى الطباعة الورقية ذات البعدين التي نستخدمها في حياتنا اليومية. ولكن مع تطور التكنولوجيا، لم يعد مفهوم الطابعات يقتصر على الطابعات ذات البعدين، فأصبح بالإمكان طباعة أي مجسم ثلاثي الأبعاد باستخدام ما يسمى الطابعات ثلاثية الأبعاد.

تعد الطابعات ثلاثية الأبعاد ثورة علمية وتكنولوجية، ليس في مجال التكنولوجيا والتقنيات الحديثة فحسب، بل في شتى مجالات الحياة أيضًا. فلا تجد مجال إلا وكان للطابعة أثر فيه، فمن التكنولوجيا إلى الطب والهندسة والتعليم والعلوم وطب الأسنان والعديد من المجالات.

وعندما نتحدث عن الطابعات ثلاثية الأبعاد فإننا لا نتحدث عن مستقبل بعيد، بل نتحدث عن ماضٍ قريب. فقد ظهرت فكرة الطباعة الثلاثية الأبعاد لأول مرة عام 1980، في حين تم ابتكار أول طابعة ثلاثية الأبعاد عام 1984، من قبل الأمريكي تشارلز هُل الذي يُنسب إليه الفضل في ابتكار هذه التقنية الثورية، ولكن لم تتوافر الطابعات الثلاثية الأبعاد للاستهلاك التجاري حتى مطلع عام 2010.

تقنيات الطباعة الثلاثية الابعاد

الطباعة ثلاثية الأبعاد تعتمد على عملية التصنيع الجمعي أو ما يسمى التصنيع بالإضافة وهي عائلة واسعة من تقنيات التصنيع التي تعمل على تصنيع الأجسام عن طريق إضافة مواد إليها طبقة تلو الأخرى.

وهناك العديد من التقنيات المستخدمة للطباعة ثلاثية الأبعاد، والتي من أهمها: طريقة طابعة قاذفات الحبر inkjet، وطريقة ستيريوليثغرافي Stereolithography “SLA”، وطريقة التلبيد الانتقائي بالليزر Selective Laser Sintering “SLS”، وطريقة البناء بالترسيب المنصهر fused deposition modeling “FDM” وغيرها من الطرق.

أما طريقة طابعة قاذفات الحبر فهي تعتمد على تقنية قاذفة الحبر التي تستخدم في الطباعة الورقية منذ الستينات من القرن العشرين. حيث أن فوهات دقيقة في الطابعة ثلاثية الأبعاد تتحرك للأمام وإلى الخلف وتقذف مادة سائلة. على خلاف الطباعة الورقية فإن سطح الطباعة يتحرك للأعلى والأسفل حتى يتم ترسيب طبقات متعددة من المادة على نفس السطح. ويستخدم هذا النوع من الطابعات المواد البلاستيكية كبديل عن الحبر في الطابعة التقليدية حيث تجف طبقة سميكة شمعية ومواد بوليميرية بلاستيكية وتتصلب في كل طبقة لتشكل مع كل طبقة مقطع جديد من الجسم الصلب ثلاثي الابعاد.

وأما طريقة ستيريوليثغرافي فتعمل عبر تركيز الأشعة الفوق البنفسجية على سطح حوض مملوء بسائل قابل للتبلور عند تعرضه لأشعة الليزر. يقوم شعاع الليزر برسم المجسم ثلاثي الأبعاد طبقة تلو الطبقة. فبعد تركيزه على أول طبقه تتبلور لتصنع أول شريحة من المجسم بسماكة ما بين 0.3 إلى 0.05 ملم.

يهبط المقطع المتبلور إلى الأسفل لتغطية طبقة سائل أخرى وتعاد العملية مرة أخرى مؤدية إلى تبلور الطبقة. هكذا إلى أن يتم تشكيل كامل الجسم.

وأما طريقة التلبيد الانتقائي بالليزر أو طريقة التصليد الحراري الاختياري بالليزر فتعمل بأسلوب مماثل لتقنية الستيريوليثغرافي SLA، لكن يُستبدل السائل القابل للتبلور في الحوض بمواد في صورة مساحيق مثل البوليستر أو السيراميك أو الزجاج أو النايلون وبعض المعادن مثل الفولاذ والتيتانيوم والألمنيوم والفضة. تنصهر المادة عندما يتم توجيه الليزر على المسحوق في هذه النقطة. أما المواد التي لا يطالها الليزر تبقى كمسحوق يساعد بدعم المجسم. بحيث يتم في نهاية الطباعة جمع بقايا المسحوق غير المستعمل ليتم استخدامه في الطباعة التالية. ومن أهم مميزات هذه الطريقة عن طريقة الستيريوليثغرافي SLA هو عدم حاجتها لأي مواد داعمة.

وطريقة البناء بالترسيب المنصهر تعمل باستخدام خيط من البلاستيك أو سلك معدني، يتم سحبه من بكرة ليغذي فوهة البثق التي تستطيع التحكم في السريان بوقفه وتشغيله. يتم تسخين الفوهة حتى تصهر الخامة، ثم يمكن لها أن تتحرك في الاتجاهين الأفقي والرأسي بواسطة آلية ميكانيكية تعمل بالتحكم الرقمي. يتم صنع المجسم النهائي بإستخدام الخامة المنصهرة لتشكيل طبقات، حيث تتحول الخامة إلى الحالة الصلبة فور خروجها من الفوهة.

الفيديو التالي يوضح بعض التقنيات المذكورة سابقًا في الطابعات ثلاثية الأبعاد:

خطوات ومراحل الطباعة ثلاثية الابعاد

مهما كانت الطريقة المستخدمة للطباعة الثلاثية الأبعاد فإن خطوات ومراحل الطباعة نفسها في كل الطرق المستخدمة وهي على النحو التالي: في البداية يتم تصميم المجسم ثلاثي الأبعاد بواسطة الكمبيوتر باستخدام برامج التصميم التي تعرف باسم CAD، مثل برنامج الأوتوديسك الأوتوكاد وسوليدووركس وغيرها. وبعد الانتهاء من هذه الخطوة يتم تحويل صيغة CAD إلى صيغة STL وهي نوع من الملفات تعني لغة معيار التغطية الفسيفسائية. ويتم استخدام هذه الصيغة لنقل البيانات بين برامج CAD والطابعة ثلاثية الأبعاد، حيث يخزن معلومات عن كل سطح بتقسيمه إلى مثلثات، ثم تعريف إحداثيات القمم وبالتالي يتم التحديد المكاني لأجزاء السطح.

الطابعة ثلاثية الأبعاد تقوم بتفسير الإحداثيات المتوفرة من ملف STL رقميًا، وذلك عن طريق تحويل الملف إلى ملف G يقوم بتقسيم ملف STL إلى سلسلة من الأقسام الأفقية ثنائية الأبعاد، مما يسمح بطباعة المجسم.

يقوم المستخدم بعد ذلك بتحديد الحجم المراد طباعته واتجاه الطباعة. وتجهيز الطابعة بما في ذلك إعادة تعبئة المواد البوليميرية والمواد المستخدمة كلاصق والمواد المستهلكة الأخرى التي تستخدمها الطابعة. ومن ثم تتم عملية الطباعة، وبالاعتماد على حجم المجسم والآلة والمواد المستخدمة فإن هذه العملية قد تستغرق ساعات أو حتى أيام لتكتمل. وهذا يتطلب فحص الالة وهي تقوم بعملها بين الحين والأخرى للتأكد من عدم وجود أي أخطاء.

وفي النهاية تتم عملية المعالجة بعد الطباعة، حيث أن الكثير من الطابعات ثلاثية الأبعاد تتطلب إجراء معالجة بعد عملية الطباعة للأجسام المطبوعة. هذا يشمل إزالة المسحوق المتبقي أو غسل الجسم المطبوع للتخلص من مواد تثبيت المجسم على المنصة. ومن ثم يتم الاستفادة من الجسم او الأجسام المطبوعة الجديدة.

وبالنسبة إلى تصميم المجسم الثلاثي الأبعاد “CAD”، فقد يكون العمل على برامج التصميم ثلاثية الأبعاد صعباً ويحتاج الى الممارسة، لكن بالمقابل هناك العديد من البرامج المجانية التي تتيح لك التصميم بسهوله وتعلمها سهل جداً مثل برنامج جوجل سكتش أب، كما يوجد تصاميم جاهزة يمكن شراؤها بدلًا من بناء التصميم.

أما المجال الطبي فهناك عدة طرق لتصميم الكائن ثلاثي الأبعاد مثل التصوير المقطعي المحوسب “CT”، والمسح الضوئي بالليزر، والتصوير بالرنين المغناطيسي “MRI” والتي تُولّد بيانات يمكن تحويلها إلى صيغة STL.

تطبيقات واستخدامات الطابعات ثلاثية الابعاد

أما عن استخدامات الطابعة وتطبيقاتها الحالية فهي كثيرة جدًا، حيث تستخدم في مجال الطب والهندسة الطبية، وعلم الأنسجة، وعلم البيولوجيا، وقد تم استخدامها لطباعة الأسنان والأوعية الدموية والشرايين والعظام، وطباعة الأعضاء الاصطناعية، وطباعة بعض أجزاء الجسم كالأذن مثلًا.

كما يستخدمها بعض الأطباء في مرحلة الإعداد للعمليات الجراحية، حيث أن الاعتماد على نموذج ملموس لتشخيص المريض يمكن دراسته قبل إجراء العملية الجراحية أفضل من الاعتماد على الصور ثلاثية الأبعاد التي يوفرها الرنين المغناطيسي والمسح الضوئي وغيرها من الوسائل التقليدية التي يتم عرضها من خلال شاشة مسطحة، كما أن ذلك النموذج يعطي تفاصيل دقيقة وتساعد في تشخيص الأمراض.

وتم استخدامها أيضًا في علم الطب الشرعي حيث تستخدم لإعادة ترميم بعض المناطق في جسم الإنسان لتحديد وتفسير أسباب الوفاة ومعرفة الأداة المستخدمة لذلك دون الحاجة إلى تشريح الجثة. كما تسهم تلك الطابعات بشكل كبير في علم التشريح وفهم علم الأمراض السريرية الذي يفرض عليه قيود كثيرة حيث أن تخزين جسم الإنسان يعتبر مكلف وله قيود وشروط معينة كما أن عملية التشريح تحتاج الى وقت طويل ومعدات قد تكون مكلفة، هذا بالإضافة إلى بعض القيود الأخلاقية والقانونية. وبالتالي فإن استخدام نماذج ثلاثية الأبعاد سوف يسهم في حل العديد من المشاكل وسوف يساعد في تسهيل الفهم والدراسة في مجال الطب.

وتستخدم هذه الطابعة أيضًا في صناعة البيوت، والأثاث، والملابس، والأحذية، والألعاب، والاكسسوارات، والمجسمات الهندسة، والسيارات، والطعام، وفي مجال التعليم، والتطبيقات البيولوجية، والتركيبات الكيميائية، والإلكترونيات.

وقد دخلت هذه الطابعات حديثًا في صناعة الطائرات، كما يسعى العلماء إلى استخدامها في مجال الفضاء.

وتلك الطابعة لها العديد من المزايا فهي توفر الوقت والجهد والمال، كما أن تصاميمها سهلة التعديل، وليس هناك حدود لمدى تعقيد التصميم، كما أنها تستطيع انتاج نماذج سريعة ودقيقة مهما بلغ تعقيدها.