الجرافين…مادة العصر وتطبيقاتها المختلفة في مصادر الطاقة

 

الجرافين…مادة العصر وتطبيقاتها المختلفة في مصادر الطاقة

big-300x224

 

 

نعيش الان في عالم السرعة، حيث كل شيء حولنا يتطور بسرعة فائقة. كل شيء بات يعتمد على الطاقة ويحتاج إليها ليستمر في وجوده! ليزيد ذلك من العبء على الطاقة الموجودة حالياً، والتي لم تعد تتوفر كما كانت تفعل في السابق. لذلك بتنا نلاحظ كيف أن العالم بدأ يشدد على أهمية توفير استهلاك الطاقة وضرورة إيجاد مصادر بديلة للطاقة الموجودة حالياً.

تختلف طرق توفير استخدام الطاقة، كما تختلف التقنيات البديلة للحصول عليها. ما نقدمه اليوم ربما يكون مختلفاً بكل المقاييس! فنحن بصدد تسليط الضوء على مادة أطلق عليها العلماء اسم “المادة العجيبة”؛ حيث تجتمع فيها الصفة وضدها في الوقت ذاته. كما أنها تتميز بخواص فريدة، إلكترونية وميكانيكية

3

فما هي هذه المادة؟ من أين أتت؟ وكيف يكون دورها في توفير الطاقة؟

الجرافين هو مادة ذات شكل سداسي مكونة من ذرات الكربون المرتبطة مع بعضها البعض، ويتم تصنيفها ضمن المواد ثنائية الأبعاد. ويعتبر المادة الأساسية المكونة للجرافيت(الفحم) وقد سمي بالجرافين لأنه مشتق من الجرافيت حيث أن طبقات عديدة من الجرافين تكون الجرافيت. وعلى الرغم من مرونته العالية إلا أنه يعتبر من أقوى المواد المعروفة على الإطلاق، فهو أقوى من الفولاذ بحوالي 200 مرة.

وقد تم استخلاصه لأول مرة في عام 2004 على يد العالمان جيم ونوفوسيلوف Geim and Novoselov، عن طريق تقشيره من الجرافيت باستخدام قطع من الاشرطة اللاصقة العادية حيث عملوا بواسطتها على نزع رقاقات من الجرافيت بشكل متكرر وكانا يحصلان في كل مرة على رقاقات تتألف من طبقات متعددة من الجرافين، من ثم عمد الباحثان إلى ربط القطع المنفصلة من الجرافيت باستخدام مادة السيليكون المتأكسد المستخدم في صناعة أشباه الموصلات ليتمكنا اخيرا من رؤية الجرافين.

 4

وقد حصل جيم ونوفوسيلوف على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2010 لأعمالهم الرائدة في مجال بلورات الذرات ثنائية الأبعاد. حيث تم اعلان أهم المزايا، وهي أن سرعة الالكترونات التي تسير داخل الجرافين كانت مابين 2000-5000 سم2/ث.فولت، وبعد ذلك تم اكتشاف مزايا أخرى مثل الشفافية البصرية العالية التي وصلت إلى 97.7%، والموصلية الحرارية والكهربية العالية التي تفوق موصلية السليكون، وكذلك المساحة السطحية الكبيرة وذلك لكونه أقل المواد سمكا على الإطلاق حيث يعادل سمكه سمك ذرة كربون واحدة،  إضافة إلى خفة وزنه، ومتانته العالية ومرونته في الوقت ذاته.

طرق انتاج الجرافين

مثّلت طريقة إنتاج الجرافين مشكلة كبيرة؛ حيث أن طريقة استخلاصة التقليدية باستخدام الأشرطة اللاصقة لاتنتج سوى كميات قليلة وهي طريقة شاقة. تم بعد ذلك استخدام طريقة العالم هامر Hummers` Method التي توصل إليها في الخمسينيات من القرن الماضي لإنتاج أكسيد الجرافيت، وقد تم استخدام هذه الطريقة لإنتاج طبقة من أكسيد الجرافين، بحيث تقوم على استخدام عامل مؤكسد وأحماض قوية لتجريد الجرافين من مصدره وهو مسحوق الجرافيت، ومن ثم يتم اختزال أكسيد الجرافين للحصول على الجرافين. ويمكن أن يتم ذلك حراريا أو كيميائيا، وقد تم اختزاله بوساطة العالم تنجTung وزملائه في العام 2008 والذي استغل خاصية الاختزال للهيدرازين (وهو مركب كيميائي يوجد في شكل سائل عديم اللون حاد الرائحة مسبب للتآكل وهو عبارة عن قاعدة تحتوي على النيتروجين، ويعد عاملاً مختزلاً قويًا). حيث يتم اختزال الجرافين عن طريق غمس ورقة من أكسيد الجرافين في محلول الهيدرازين النقي، لتختفي الورقة بعد ساعات قليلة، تاركة الهيدرازين مع صفيحة الجرافين. ورغم ذلك فإن المخاوف التي تتعلق بالسلامة من مركب الهيدرازين دعت لاستخدام طرق أخرى كثيرة  للحصول على الجرافين منها طريقة غرس الأيونات ion implantation وطريقة الترسيب الكيميائي للبخارchemical vapor deposition وهي من أكثر الطرق استخداما. وهناك طرق حديثة أخرى منها الخدش بالليزر والموجات الفوق صوتية.

المادة العجيبة، عجيبة أيضاً في كونها تدخل في الكثيرمن التطبيقات من حولنا، بمزايا لا تتوفر في غيره، بصورة قد نعجز عن تخيلها فنجده في مجال الطاقة مثلا يدخل في تطوير الموسعات فائقة التخزين Supercapacitor، أو في الإلكترونيات عالية السرعة، وكذلك في النوافذ الذكية، ولا نتعجب إن وجدناه أيضا ينافس أشباه الموصلات في الخلايا الشمسية.

تطبيقات الجرافين في مختلف المجالات

(1) الموسعات فائقة التخزين Supercapacitors

كثيرا ما نواجه المشاكل المتعلقة في نفاذ شحن بطاريات هواتفنا النقالة أو حواسيبنا المحمولة مثلا! وإذا نظرنا إلى إمكانية شحنها فإننا سنجد أننا بحاجة لساعات طويلة لإكمال عملية الشحن. الأمر لا يقتصر على الحواسيب والهواتف فقط، بل هي مشكلة تواجهها كافة التطبيقات التي تعتمد على شحن بطاريات لتزويدها بالطاقة، ويشمل ذلك السيارات الكهربائية.

فماذا لو كان هناك ما يوفر لنا سرعة شحن عالية، يمكن حصرها في عدة دقائق، قد لا تتجاوز الخمس!


تمتاز الموسعات فائقة التخزين بأنها تشحن بسرعة فائقة، وهي بذلك تشبه الموسعات العادية، لكنها في الوقت ذاته تتميز عنها في كونها تأخذ وقتا أطول في تفريغ شحنها؛ مما يفتح المجال أمام استخدامها على نطاق أوسع. حيث أن طاقتها تدوم لفترات أطول.

وتعتمد التقنيات المستخدمة في صناعة الموسعات الفائقة التخزين على استخدام مواد ذات مساحة سطحية داخلية عالية لتخزين الشحنات، وعادة ما يتم استخدام الألمنيوم. ومن المعروف بأن المساحة السطحية للجرافين تصل إلى 2630 م2/جرام، وبالتالي فهو اختيار موفق. حيث أن استبدال الألمنيوم بالجرافين الأخف وزنا والأقل سمكا والأكثر توصيلا، من شأنه أن يجعل هذه الموسعات تتمتع بميزات أكبر، تجعل استخدامها متاحا بشكل أكبر. وقد سجل الجرافين أعلى سعة تخزين في عام 2010 على يد العالم ليو Liu وزملائه.

تستخدم هذه الموسعات للتشغيل الكهربائي للسيارات والتي تحتاج إلى تيار عالي، لكنها لا تزال غير متوفرة بشكل واسع. وبالتالي يمكن اعتبار هذه الموسعات أحد الحلول الواعدة في مجال الطاقة الخضراء، باستخدامها في السيارات الإلكترونية والقطارات وكذلك في الطائرات، وقد تم استخدامها فعليا في الطائرات مثل طائرة Airbus A380 ولكن لوظائف إلكترونية فرعية مثل فتح أبواب الطائرة.

(2) الالكترونيات عالية السرعة

ربما ترتبط الإلكترونيات في أذهاننا بالسرعة بشكل تلقائي…لكن هنا نحن بصدد إلكترونيات تتفوق في سرعتها على الإلكترونيات التي نعرفها.

واحدة من أول التطبيقات على استخدام الجرافين في الحياة العملية، وذلك لتوصيليتها الفائقة، فقد تم استخدامه لأول مرة في تطوير الترانزستورات ذات السمك الرقيق في عام 2010 وقد أعطى ترددات تشغيل عالية وصلت إلى 100-300 جيجا هيرتز،  ولا زالت الجهود تبذل تجاه استبدال السليكون بالجرافين في الدوائر الالكترونية. لكن التحدي يكمن هنا في العيوب الناشئة عن الجرافين أثناء عملية التصنيع  فهو لايحتوي على فجوة نقل للطاقة، لكن اشباه الموصلات وعلى رأسها السليكون تحمل فجوات طاقة صغيرة لازمة من أجل عمل الأجهزة الالكترونية. كما أن دخول الجرافين إلى مجال الالكترونيات البصرية يمكن أن يؤدي إلى تطويرات مستحدثة في مجال الورق الالكتروني e-paper، والذي دخل مؤخراً في بعض تطبيقات حفظ الطاقة كالنوافذ الذكية.

(3) النوافذ الذكية بتقنية شاشة البلورات السائلة LCD

بعضنا سمع سابقاً بالنوافذ الذكية، وبعضنا ربما لم يفعل! هي باختصار، تلك النوافذ التي يمكن التحكم في درجة نفاذيتها للضوء وامتصاصها أو حجبها للحرارة، بما يساعد في التحكم في درجة الإضاءة أو الحرارة داخل الغرفة أو المبنى، مما يعني توفير استهلاك الطاقة في هذه المجالات. تتعدد تقنياتها وتطبيقاتها، وتعتبر تقنية البلورات السائلة من أشهر هذه التقنيات.

وفقاً لتركيبتها، فإن هذه النوافذ تكون معتمة حتى تتعرض لمجال كهربائي فتصبح شفافة، حيث أنها تتكون من طبقة من البلورات السائلة موجودة مابين قطبين موصلين يتكونان من البوليمر والجرافين.

(4) الخلايا الشمسية

لا يخفى على أحدنا في الوقت الراهن أهمية التوجه نحو استخدام الطاقة الشمسية كبديل لطاقة الوقود الأحفوري، وذلك لما توفره من طاقة مستدامة ونظيفة، لا نخشى نفادها كما لا نخشى على جودة هوائنا منها.

يتميز قطاع الطاقة الشمسية بأنه في تطور مستمر، خاصة في مجال الخلايا الضوئية Photovoltaic cells، حيث تستمر جهود العلماء بهدف خفض تكلفة هذه التقنيات، والتي تعتبر عاملاً محددا لاستخدام هذه الخلايا.

تستخدم التقنيات الحالية للخلايا الشمسية أقطابا كهربائية موصلة تسمى الالكترودات، وتكون مطلية بطبقة من البلاتين والتي تعتبر مادة غير متوفرة بكثرة إضافة إلى تكلفتها العالية. ولأن الجرافين يتمتع بقدرة توصيل ممتازة؛ فإنه يمكن استخدامه في تصميم الأقطاب الكهربائية مما من شأنه أن يعمل على تقليل التكلفة وكذلك الوزن مع الحفاظ على الكفاءة.

وقد تم فعليا استخدام الجرافين في صناعة الإلكترودات المعاكسة في الخلايا الشمسية الصبغية وقد أعطى كفاءة وصلت إلى 7.8% والتي تعتبر أقل بنسبة 0.2% من الالكترودات المعاكسة المستخدمة للبلاتين ولكن لاننسى معامل التكلفة. ولا تزال الأبحاث مستمرة في هذا المجال.

ما ذكر هنا، ليس سوى غيض من فيض من تطبيقات هذه المادة العجيبة، التي انتشرت وبدأت تدخل في كل تفاصيل حياتنا بسرعة توازي سرعة توصيلها للحرارة أو الكهرباء وسرعة شحنها، وذلك من خلال ما يقوم به العلماء من دراسات وأبحاث وتجارب مستمرة؛ يسعون من خلالها إلى خفض تكاليف إنتاج هذه المادة. لذلك فإنها تصر على أن تدخل الأسواق بقوة تعادل قوتها التي تفوق قوة الفولاذ…بكل شفافية وموضوعية.