الأمواج العميقة ما بين حداثة العلم و آيات القرآن
لقد آمن الأقدمون بمعتقدات عديدة عن البحار والمحيطات، واعتقدوا بوجود حيوانات وحشية غريبة الخلقة تعيش في أعماقها، ولم تتوفر ـ حتى للبحارة ـ آنذاك معرفة حقيقية عن الأحوال السائدة في أعماق البحار. وكانت المعلومات عن التيارات البحرية نادرة، ولم تتوفر أية معلومات عن الأمواج الداخلية في العصور الماضية، وبالرغم من أن القدماء عرفوا أن الرياح تؤثر على الأمواج والتيارات السطحية إلا أنه كان من الصعب عليهم أن يعرفوا شيئًا عن الحركات الداخلية في المياه[1]حيث لم يكن بمقدور الإنسان معرفة أعماق الشواطئ الضحلة والمياه الراكدة ناهيك عن معرفة البحار العميقة والحركات الداخلية في هذه المياه، كما لم يكن بإمكان الإنسان الغوص في هذه الشواطئ إلا في حدود عشرين متراً ولثواني معدودة ليعاود التنفس من الهواء الجوي، وحتى بعد ابتكار أجهزة التنفس للغواصين لم يتمكن الإنسان من الغوص أكثر من ثلاثين متراً نظراً لازدياد ضغط الماء على جسم الغواص مع زيادة العمق حيث أن ضغط الماء يكفي لهرس جسمه[2].
ولم تبدأ الدراسة المتصلة بعلوم البحار وأعماقها على وجه التحديد إلا في بداية القرن الثامن عشر، عندما توفرت الأجهزة الضرورية لمثل هذه الدراسات المفصلة[2]، ومع نهاية القرن التاسع عشر تم استخدام الوسائل التصويرية التي تم تطويرها خلال الثلاثينات من القرن العشرين. وتوصل العلماء في عام 1904 انه في البحر العميق وعلى عمق 200 متر إلى 500 متر يوجد “موج داخلي” أو “موج عميق” وكأنك على سطح البحر تماماً، وهذا الموج اكتشفه البحارة القدامى الاسكندينافيون[3]. ويعود الفضل في تفسير ظاهرة الأمواج الداخلية للدكتور (ف.و. إيكمان)[2].
يبدأ تكون الأمواج الداخلية على عمق40 متراً تقريباً من مستوي سطح الماء في المحيطات حيث تبدأ صفات الماء فجأة في التغير من حيث كثافتها ودرجة حرارتها، وقد تتكرر علي أعماق أخرى كلما تكرر التباين بين كتل الماء في الكثافة[4]، وتعد هذه الأمواج ضرورية لمزج مياه البحار وعدم فسادها عبر آلاف السنين، كما أنها تساهم في الحفاظ على التوازن البيئي حيث إن امتزاج الماء يساعد على عدم بقاء الماء الكثيف في قاع المحيط وبالتالي عدم فساد ماء البحر [5]
كل البشرية كانت تعلم إلى وقت قريب أنه لا يوجد في البحار إلا موج واحد و هو الموج السطحي الذي تشاهده العيان إلا أن أحد آيات القرآن الكريم في سورة النور تضمنت وصفًا غاية في الدقة للظواهر الطبيعية في البحار حيث ذكرت الآية أن للبحر العميق موجاً يغشاه من أعلاه، قال تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ…﴾، وذكرت الآية وجود موج آخر فوق الموج الأول قال تعالى:﴿يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ…﴾، وهذه صفة للبحر وهي وجود موجين في وقت واحد أحدهما فوق الآخر، وليست أمواجاً متتابعة على مكان واحد بل هي موجودة في وقت واحد، والموج الثاني فوق الموج الأول، وتشير الآية إلى أن فوقية الموج الثاني على الموج الأول كفوقية السحاب على الموج الثاني، قال تعالى:﴿يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ…﴾، فذكرت الآية وجود موج يغشى البحر العميق ويغطيه كما ذكرت وجود موج ثان فوق الموج الأول[2].
ففي هذه الآية الكريمة حقيقة علمية عالية في الدقة لم تكن تخطر ببال الأولين حيث لم يكن لديهم من المعارف والمعدات وآلات التصوير ما يتيح لهم الوصول إليها ، فالله تعالى يصف بحرا لجياً عميقاً ويقول إن هذا البحر اللجي العميق يغشاه أي يعلوه موج عميق وهذا ما أثبته التقدم العلمي حديثاً[3].
فلقد نشرت جريدة تيلي غراف في 13/12/2007 مقالاً بعنوان: “العلماء يكتشفون الأمواج العميقة في المحيط”، “Deep ocean waves discovered by scientists”!
وجاء في هذا الخبر أن اكتشاف هذه الأمواج العميقة في المحيط قد سببت مفاجأة للعلماء لأنهم لم يتوقعوا أن يشاهدوا أمواجاً تشبه تلك التي نعرفها في أعماق المحيط، و هذا بعض ما احتواه البحث:
-
علماء بريطانيون اكتشفوا أمواجاً تتدفق في أعماق المحيط الهادئ!
-
لقد علموا أن مثل هذه الأمواج يمكن أن تشاهد على أو قرب سطح المحيط، ولكن العلماء كانوا مندهشين لأنهم وجدوا هذه الأمواج في المحيط العميق.
-
لقد جاء على لسان البرفسورة Karen Heywood من جامعة UEA ومؤلفة مشاركة في هذا البحث: لقد كنا مندهشين وفرحين! لقد كنا نتوقع وجود شيء ما على عمق 50 متراً كما أشارت إلى ذلك الصور القادمة من الأقمار الاصطناعية، ولكن الذي أثارنا حقيقة أن نجد هذه الأمواج على عمق 1500 متراً، وهذا يفتح باب الاحتمالات على أن هناك أمواجاً على أعماق أكبر.
-
يقول الدكتور Adrian Matthews أحد علماء الجامعة المذكورة والذي يقود هذا البحث: كل واحد منا ظن أنه لا يمكن رؤية أي أمواج تحت عمق 200 متر.