أطراف اصطناعية تصنع الأمل من جديد
خطوات سريعة واثقة زرعت في قلب غودموندر أولافسون الأمل من جديد في ممارسة حياته بشكل طبيعي، والفضل في ذلك يعود إلى تقنية جديدة أتاحت لمبتوري الأطراف الاصطناعية السيطرة على أطرافهم بأدمغتهم.
غودموندر أولافسون البالغ من العمر ثمانية وأربعين عامًا، فقد ساقه اليمنى منذ طفولته، إثر تعرضه لحادث مروري مروّع، وها هو اليوم يقوم بتحريكها من جديد بواسطة دماغه.
يقول أولافسون: “لأول وهلة بدأت بالبكاء، فأنا أقوم بتحريك كاحلي الآن، رغم أني لم أمتلك واحدة لأحد عشر عاماً”، ويضيف أولافسون: “عليك أن تتعلم كيف تستخدم هذه العضلات من جديد، كيف تشدها إلى الأعلى وإلى الأمام والخلف، هذا هو الأمر الرئيسي، هذه العضلات تبدأ بالتحسن، وبالتالي تتحسن طريقتك في المشي”.
أولافسون هو واحد من ملايين الأشخاص الذين استعادوا الأمل بفضل هذه التقنية المذهلة، وهناك الكثير ممن يتعرض لفقدان أطرافهم يوميًا، لاسيما مع كثرة الحروب في أيامنا هذه، الحروب والأمراض كمرض السكري وبعض العيوب الخلقية وأحداث كثيرة آخرى قد تكون سببًا رئيسيًا لفقدان الأطراف.
الأطراف الاصطناعية الحالية وأوجه قصورها
غالبًا ما يلجأ الأشخاص إلى استخدام أطراف اصطناعية في حال فقدان أطرافهم. وتقوم فكرة عمل هذه الأطراف على محاكاة تحريك الأطراف لدى الأشخاص الطبيعيين، ففي حالة الأشخاص الطبيعيين يتم تحريك الأطراف من خلال الإشارات الكهربائية، التي يقوم الدماغ بإطلاقها نحو الجزء المراد تحريكه، لتقوم الإشارات بعد ذلك بتحفيز العضلة للقيام بالحركة المطلوبة. أما في حالة الأطراف الاصطناعية الحالية، يتم التحكم في هذه الأطراف من خلال إشارات إلكتروميوجرافي، التي تعتمد على وضع أقطاب كهربائية على سطح جلد العضلات المتبقية، لتسجيل ما تصدره تلك العضلات. تسجيلات السطح غالباً ما تكون غير متناسقة وغير موثوق بها، مما يجعل التحكم بتلك الأطراف صعب للغاية وغير عملي، وبالتالي ترتفع معدلات التخلي عن تلك الأطراف الاصطناعية. فحسب استطلاع للرأي فإن متوسط معدل الرفض لاستخدام الأطراف الاصطناعية العلوية يشكّل 23٪.
والسبب في ذلك يعود إلى أن محدودية كفاءة الأقطاب المزروعة كونها موجودة على سطح الجلد، فتلامس هذه الأقطاب مع الجلد يكون ضعيف نتيجة الحركة المتواصلة ودوران المفاصل، كما أن تعرضها للضوضاء من البيئة المحيطة وتأثرها بالعرق أيضًا يقلل من كفاءتها، ذلك بالإضافة إلى تسجيلها لبعض النشاطات الصادرة عن العضلات المجاورة مما يتسبب في عمل إجراءات غير مقصودة لها.
ويوجد معوقات آخرى تتمثل في أن تلك الأطراف لا تقدر على القيام سوى بحركة واحد فقط في الوقت ذاته، مما يشكّل عائق أمام الشخص المستخدم ويقيّد من حركته.
الآثار السلبية لعدم استخدام أطراف اصطناعية لمبتوري الأطراف
التخلي عن الأطراف الاصطناعية أيضًا له آثار سلبية واضحة، فالأفراد الذين يعتمدون على يد واحدة فقط للاستخدام اليومي هم عرضة لمخاطر كثيرة كالإصابة بإلتهاب المفاصل والرقبة وأعلى الظهر والأطراف المتبقية، مما يؤثر سلبًا على معدلات المرض ونوعية الحياة على المدى البعيد.
تقنية المستشعرات الكهربائية القابلة للارتداء
بفضل تقنية جديدة أعلنت عنها شركة أوسور الأيسلندية المتخصصة في الأطراف الاصطناعية وجراحة العظام، تم التغلب على جميع تلك العقبات السابقة، هذه التقنية الجديدة المسماة بالمستشعرات الكهربائية القابلة للارتداء أثبتت كفاءتها وفاعليتها بشكل عملي.
المستشعرات الكهربائية القابلة للارتداء أو ما يسمى بـ IMES هي عبارة عن أقطاب كهربائية صغيرة أسطوانية الشكل، كما يوضح الشكل 1. تهدف هذه الأقطاب إلى الكشف عن إشارات الإلكتروميوجرافي ونقلها لاسلكيًا إلى اليد الاصطناعية عن طريق لفائف كهربائية مغناطيسية موضوعة داخل الأطراف الاصطناعية.
آلية عمل بالمستشعرات الكهربائية القابلة للارتداء
تم تصميم هذا النظام بحيث يلتقط إشارات الإلكتروميوجرافي من عدة عضلات موجودة في الأطراف المتبقية في نفس الوقت، ليتم التحكم بالطرف بشكل طبيعي ،ويستطيع المستخدم تنفيذ من حركة إلى ثلاث حركات في نفس الوقت.
كل حركة في الطرف تحتاج إلى جهازي IMES . وتم وضع جهازين إضافيين لاستبدال أي IMES قد لا توفر إشارات تحكم مناسبة. ومن الممكن أيضا أن يتم تنشيط IMES الإضافية لعمل حركة إضافية في المستقبل.
القدرة على وضع هذه الأقطاب مباشرة في عضلات الأطراف المتبقية، وليس على سطح الجلد، وفّر العديد من المزايا، بما في ذلك إشارات أقوى وأكثر موثوقية، لا تتغير مع وضع الذراع، و دوران الطرف أو التعرق. كما أن هذه الأقطاب تقدم إمكانية تسجيل الاشارات من العضلات السطحية والعميقة في وقت واحد، مما يتيح تحكم أكثر سهولة لأكثر في الأطراف الاصطناعية.
يعمل كل جهاز IMES، كمكبر للاشارات العضلية المختلفة، ومن ثم يقوم بفلترة هذه الاشارات وتصحيحها ودمجها في النطاق المسموح. ليقوم بعد ذلك بتحويل تلك الإشارة إلى إشارة رقمية، ونقلها على شكل مجموعات إلى واجهة التحكم بالطرف الاصطناعية “PCI” .
وPCI هو صندوق إلكتروني صغير يتم تثبيته على حزام المستخدم، ويستقبل تدفق البيانات، ويفصل العينات القادمة من كل جهاز IMES على حدة، وينفذ فلترة إضافية لإشارات الإلكتروميوجرافي لجعلها أكثر مناسبة. ثم يتم توجيه كل إشارة تناظرية إلى مدخل تحكم المحرك المحدد في الطرف الاصطناعي ليؤدي الإجراء المطلوب.
وتتم عملية الاتصال في IMES بشكل ثنائي الاتجاه، من خلال تكون المجال المغناطيسي، الذي يتم إنشاؤه بواسطة اللفائف التي تكون داخل جدار الطرف الاصطناعية، كما في الشكل2. بحيث يستخدم القياس العكسي لنقل البيانات من جهاز الاستشعار القابل للارتداء في حين يتم استخدام القياس الأمامي لنقل إعدادات الطاقة والتكوين إلى أجهزة الاستشعار.
ويحتوي إطار الطرف الاصطناعي على منفذ شحن، وبطارية تزود الطاقة إلى الرسغ واليد، ومنفذ لتوصيل الرسغ إلى كمبيوتر لبرمجة إعدادات الطرف الاصطناعي.الشكل 3 يبين مكونات نظام IMES.
تجارب عملية لاستخدام المستشعرات الكهربائية القابلة للارتداء
لقد تمت أول تجربة لهذا النظام على رجل قوقازي يبلغ من العمر 30 عامًا، تعرض لبتر في يده اليمنى نتيجة الإصابة بعبوة ناسفة. وقد خضع للعملية الجراحية لهذه الدراسة بعد ما يقرب من 11 شهرا من البتر.
وقد أثبتت النتائج قدرة الرجل على تحريك يده وأصابعه بدقة وسلاسة وسرعة مقارنة مع الأطراف الاصطناعية المستخدمة حاليًا. وقد أعرب المستخدم عن ارتياحه وثقته بالنظام والرغبة في ارتداءه .
آليات وتقنيات آخرى للأطراف الاصطناعية
حاليًا يجري وضع استراتيجيات جديدة أخرى للتحكم بالطرف العلوي، ولكن لديها قيود متعددة مقارنة مع نظام IMES.
إحدى هذه الاستراتيجيات هي التعرف على النمط، والتي تستخدم خوارزميات لتحليل أنماط نشاط العضلات عبر واحدة أو أكثر من عضلات الطرف المتبقي، وقد أثبتت القدرة على التحكم في العديد من حركات الطرف الاصطناعية بسهولة كبيرة.
هذه الاستراتيجية تستخدم الأقطاب السطحية التي تم بناؤها للكشف عن تقلص العضلات وقياس مقدار، وتردد، وسرعة الحركة، ومن ثم تحدد احتماليًا الحركة التي يقصدها المستخدم بناءًا على تدريب موسع للمستخدمين. وعلاوة على ذلك، فإن هذه النظم تعتمد على أقطاب سطحية، والتي لديها العديد من القيود المذكورة سابقًا.
عودة أعصاب العضلات المستهدفة (TMR) هو الإستراتيجية الأخرى لتوسيع القدرة على التحكم بالأطراف، وذلك من خلال إعادة الاتصال جراحيًا بين الأعصاب الطرفية المقطوعة والعضلات المتبقية للعضو، وهذا يعد أمر صعب للغاية.
كما تم الجمع بين TMR وتقنية التعرف على النمط لتوفير التحكم بالاطراف الاصطناعية لمبتوري الأطراف العلوية والسفلية. في حين يتم إجراء هذه الجراحة بنجاح للعديد من المرضى، لكن ما زالت هناك صعوبات متعلقة بالدقة والاستقرار مما يشكل عقبات كبيرة.
مستقبل زراعة الأطراف الاصطناعية
القضية الأساسية لأي تقدم في أنظمة الأطراف الاصطناعية الآن هو معالجة كيفية استخراج الإشارات بشكل مستقر وموثوق على المدى البعيد. زرع أقطاب كهربائية في العضلات المتبقية تمثل الطريقة المحتملة لمعالجة هذا الأمر.
وإلى الآن أثبت نظام IMES كفاءته، فعلى مدار أكثر من عام تم تجربة هذا النظام على شخصين مبتوري الأطراف والذين أظهرا رضاهم الكبير عن هذه التقنية وأفادا بأنهما قد تمكنا من القيام بعدد كبير من المهام المعقدة، التي لم يكن بإمكانهما أدائها باستخدام أطرافهم الاصطناعية السابقة. مما يجعلنا متفائلين بحذر حول مستقبل زرع تكنولوجيا الاستشعار كهربائية العضل وقدرتها على توفير مراقبة دقيقة وموثوق بها.