تلوث البيئة
أصبح معلوما للجميع أن تلوث البيئة يؤدي إلى أمراض عضوية عديدة ، مثل السرطان وأمراض القلب والرئة والحساسية وغيرها .
إلا أن أهم الأخطار التي تنتج عن تلوث البيئة هي إمكانية الإصابة بأمراض نفسية عديدة .
فثمة فرع جديد من فروع علم النفس بدأ يشق طريقه للظهور أطلق عليه” علم النفس البيئي ” الذي يتخصص في دراسة المشكلات النفسية المتعلقة بالبيئة ، وفي اقناع الناس بأن الطبيعة فيها العلاج الحقيقي لكثير من مشكلاتنا الصحية .
لقد وضعت مؤخرا الجمعية الأمريكية لعلم النفس ، في قائمتها أكثر من 300 نوع من الأمراض العقلية والذهنية ، من بينها تلك الاضطرابات النفسية الناتجة عن عوامل البيئة ، كالاضطراب الموسمي الذي يعزى إلى تغير فصول السنة وغيره .
لقد ركز علماء النفس في الماضي على العوامل الشخصية والاجتماعية التي تؤدي إلى اضطرابات عصبية لدى الأشخاص .
إلا أن اليوم بدا فريق من العلماء يركز على العوامل البيئية التي قد تكون سببا غير مباشر في العديد من أمراضنا النفسية .
وهناك أيضا أنصار البيئة الذين يدافعون عن نظافتها وسلامتها ويحذرون من استنزاف طبقة الأوزون وتزايد كميات ثاني أو كسيد الكربون في الجو ، وتقطيع الأشجار وتعذيب الحيوانات أو قتلها أو صيدها بشكل عشوائي للتجارة بلحومها وفرائها وفوائدها المتعددة ،مما يؤدي إلى اختلال في التوازن البيئي والتنوع الحيوي وغير ذلك من وسائل العبث بالبيئة وبالتالي تدميرها بشكل أو بآخر وفي النهاية ازدياد الأمراض النفسية لدى الأفراد بصورة مباشرة أو غير مباشرة .
ظاهرة التسوق
ويعتقد علماء النفس أن ظاهرة التسوق الجنوني لدى البعض والإسراف غير الطبيعي في الاستهلاك ، سببه الشعور بالفراغ النفسي بسبب طبيعة الحياة الروتينية التي نعيشها ، بالإضافة إلى كونه يعود أيضا إلى تعرض بعضنا إلى ظواهر سلبية في مرحلة الطفولة كالرفض واللامبالاة وما شابه ، وإذا اجتمعت هذه العوامل لدى بعضنا وخاصة ممن يعيش بحساسية عالية ، فإن من شأن ذلك أن يجعلنا نلجأ إلى التعويض عن هذه الخسارة بأمور أخرى من أبرزها التسوق الأعمى .
إن ضغوط الحياة اليومية والمنافسة المستمرة بين الأشخاص ، التي غالبا ماتكون غير شريفة والشعور بالاحباط والكآبة بسبب عدم حصولنا على ما نريد دوما وبالتالي الانغماس في الحياة المادية التي تفرض نفسها علينا ، يؤدي إلى اضطرابات نفسية عديدة قد لا نستطيع التغلب عليها أو تجاوزها بسهولة .
هذا الصراع اليومي ، يدفع البعض دفعا إلى حب التملك والرغبة في الاستحواذ .
وهكذا يسرف بعض الناس في الشراء ، ومهما اشتروا فانهم لا يكتفون ، مع أنهم يعترفون بأن كثيرا مما يشترونه أحيانا ليسوا في حاجة إليه ، إلا أنهم مع ذلك يواصلون الشراء .
تمجيد الطبيعة
إن مرض جنون الشراء ، هو أحد الأمراض النفسية التي يهتم بها علم نفس البيئة .
لقد كان القدماء يمجدون الطبيعة ، لأنها الملاذ الأخير للإنسان كما لكافة المخلوقات ، وكانوا ينصحون المرضى باللجوء إليها ، لأنهم سيعودون إلى الإيمان والى التفكير السليم ، وستمتلئ نفوسهم بالحب والسكينة والهدوء .
واليوم يضع علماء نفس البيئة هذه الحقائق بعين الاعتبار ويحاولون توسيع مفهوم الاضطرابات العقلية والذهنية ، لتشمل الأمراض الناتجة عن البيئة حيث يعود قسم كبير جدا منها إلى البيئة الطبيعية التي يعيش فيها الفرد .
ويؤكدون أنه من الضروري الانفتاح على الطبيعة ، لما فيها من علاج روحي و عقلي وجسدي معا .
فقد عقد مؤخرا في جامعة ” هارفارد ” في الولايات المتحدة الأمريكية ، مؤتمرا لعلماء نفس البيئة ، طالبوا فيه باتباع أساليب ترغيبية تحث الأفراد على حب الطبيعة بشكل عام واعطاء أهمية خاصة للبيئة التي يعيشون بها كضمان سلامتها وحمايتها من الأخطار المحدقة بها .
لأن تدمير البيئة هو في المحصلة تدمير لمجمل حياتنا الجسدية والنفسية ، ذلك أن الإنسان ليس كائنا معزولا عنها وما لم يحافظ عليها سيشمله التدمير عاجلا أم آجلا .
وهنا يتوجب على الأشخاص المعنيين من سياسيين واقتصاديين وغيرهم من أصحاب القرار ، أن يولوا اهتماما واسعا للبيئة التي نعيش فيها وأن يعلنوا بصراحة وبجميع الطرق بأن الاعتداء على البيئة يعني الاعتداء على الصحة النفسية للإنسان بالدرجة الأولى والحاق الأضرار أيضا بالنبات والحيوان الضرورين لاستمرار الحياة .
المصدر : بنك المعلومات